في عيد الأب، نشرت أصالة نصري صورة قديمة تجمعها بوالدها الراحل مصطفى نصري. لم يكن المنشور لحظة حنين عادية، بل كانت استدعاءً لصوتٍ كان حجر الأساس في هويتها الفنية، ولرجلٍ شكّل جزءًا من ذاكرة الموسيقى السورية وهويتها في الفترة الممتدة ما بين الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
من بيت فني إلى موجات الإذاعة
وُلد مصطفى نصري عام 1941 في حي الصالحية الدمشقي، وسط عائلة فنية؛ فوالده، حاتم نصري، كان مونولوجيست ساخرًا، لم ترهبه الاعتقالات المتكررة أيام الانتداب الفرنسي.
في هذا البيت، تربّى مصطفى على نغمات الموشحات والقدود، وتشرب التراث الشامي حتى صار جزءًا من صوته. بدأ مسيرته ضمن فرقة أمية للفنون الشعبية، ثم التحق بكورال إذاعة دمشق عام 1962. وهناك، لفت أنظار كبار الموسيقيين، ليُعتمد رسميًا كمطرب في الإذاعة عام 1967، بدعم من أسماء مثل رياض السنباطي ومحمد الموجي.
"عطشان يا صبايا".. والبداية
أول أغنية أطلقها بعد اعتماده كانت "عطشان يا صبايا"، من ألحان شاكر بريخان. الأغنية التي تميزت بالبساطة والأصالة، كانت إعلانًا واضحًا عن صوت جديد يحمل الروح الشامية ويتقن المزج بين الطرب والنغمات الشعبية.
لاحقًا، قدّم مجموعة من الأغاني التي رسّخت اسمه في الساحة الفنية، مثل "يا خالي" و"زادك الله". كان دائم الحضور على التلفزيون السوري الذي كان حديث العهد، حيث أدّى الموشحات أغاني من الفلكلور السوري إلى جانب أغانيه الخاصة، عبر مشاركات في أعمال درامية ومسرحيات ظلّت متسيدةً الشاشة السورية لعقود، مثل مسلسل "صح النوم" ومسرحية "ضيعة تشرين"، وغيرها.
أبٌ ومعلم: التأسيس لأصالة
ثم اكتشف مصطفى نصري الموهبة المبكرة لابنته أصالة، فأصبح اسمه جسرًا يصل بين تاريخ الفن السوري الأصيل وحاضره. منذ طفولتها، صاحبته أصالة إلى استوديوهات الإذاعة والتلفزيون، وشاركته الأداء على الشاشة في أكثر من مناسبة.
علّمها المقامات، شكّل أداءها، وكان وراء أولى خطواتها الفنية حين قدّمت شارة مسلسل الكرتون "حكايات عالمية"؛ التي تعتبر أول إصدار خاص بصوتها، ليفتح لها ذلك أبواب الغناء المهني قبل أن تتجاوز العاشرة من عمرها. بذلك كان له الدور الأبرز في وضعها على سكة الفن والنجومية قبل رحيله المبكر، عام 1986، حين تعرّض لحادث سير مروع في طريق عودته إلى دمشق بعد حفل أحياه في مدينة حمص.
ورغم أن أصالة كانت لاتزال طفلة آنذاك، إلا أنها ظلّت تستحضر صوته ونصائحه في كل مرحلة من مسيرتها؛ لتكون سببًا بإحياء ذكراه من خلال النجاحات الكبيرة التي حققتها على مدار 4 عقود.
لم تكن صورة أصالة مع والدها مجرّد ذكرى عائلية، بل نافذة على فصل من تاريخ الفن السوري. فمصطفى نصري كان أحد الأسماء التي حافظت على الهوية الفنية الشامية، واستمر بفعل ذلك حتى بعد رحيله، عبر صوت أصالة التي صارت نجمة الأغنية العربية لعقود تالية.