ما إن يذكر اسم ميادة الحناوي حتى نجد أنفسنا نشرد للحظات ونستذكر أو نستحضر في مخيلاتنا صوتها الطربي الرقيق، والأغنيات التي طالما أمتعتنا بها خلال سنوات نشاطها الفني في الثمانينيات والتسعينيات. كانت ميادة الحناوي من الفنانات المحظوظات جدًا في بداياتها الفنية، حيث تبني موهبتها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عندما سمع صوتها في سوريا للمرة الأولى وهي بعمر السادسة عشر تقريبًا، وطلب منها القدوم إلى مصر لتبدأ مسيرتها الفنية. تعرفت بعدها على بليغ حمدي الذي كان تعاونها معه بمثابة انطلاقتها الكبرى بأغنيات مثل "الحب اللي كان" و"أنا بعشقك". أما بعد رحيله وتطور الأغنية الطربية العربية، بدأت ميادة بالتعاون مع جيل جديد من الملحنين الشباب ومنهم صلاح الشرنوبي.
حمل ألبوم "أمر الهوى" الصادر عام 1993 توقيع صلاح الشرنوبي في اللحن والتوزيع عبر أغنياته الأربعة الأساسية، فيما كتب كلماتها عمر بطيشه، وهي "أمر الهوى" و"قاصد تسهرني" و"أنا مخلصالك" و"الشمس". امتد طول جميع الأغنيات ليتجاوز السبع دقائق أو أكثر، مع مقدمات موسيقية كلاسيكية وإيقاعية. لطالما برع صوت ميادة الدافئ في تجسيد أغاني الحب، وساعدها في ذلك الكلمات التي تختارها بعناية، فمثلا في "أمر الهوى"، تستعجب من أمر حبيبها المتقلب في هواه ولكنها ثابتة على مبادئها في حبه: "انت انت انت الأمل/ وانت انت انت الحبيب/ انت اللي مهما النور يغيب حبك بيملى الكون جمال". أما في "قاصد تسهرني" فتعاتب حبيبها بمنتهى الدلال بمعاونة الكورال في الخلفية، مع توليفة من الموسيقى المكونة من الكمان والآلآت الوترية والإيقاعات المتنوعة، يتخللها بعض الآلات النفخية التي تمنح التوزيع روحًا أوكسترالية تنقلنا إلى عالم آخر. تسأل ميادة حبيبها عبر الأغنية بعتب: "قاصد تسهرني ولا قاصد تحيرني ولا/ ولا انت ناسيني انت وتقولي فاكرني/ بتقولي اسأل ليه لما أنا مش عالبال/ سؤال جاوبني عليه ماتردليش بسؤال".
أما بعد العتاب والاستنكار، تعود ميادة لتؤكد لحبيبها حبها وتفانيها في أغنية "أنا مخلصالك"، فمهما يحدث منه هي مازالت باقية على الحب الذي بينهما: "تغيب عني لكن في كل الأماكن/هواك فيا ساكن كأنك هنا/وعيشا وجودك وبحفظ عهودك/واصدق وعودك وأصون حبنا". وتختتم الألبوم الذي أشبه ما يكون برسالة حب مفتوحة من أربع صفحات، تستغرب فيها من تصرفاته ثم تعاتبه ثم تؤكد له على تمسكها به، لنسمع في النهاية أغنية "الشمس" التي تؤكد على الحب بمفردات وتراكيب حازمة ومحكمة، فتشبهه بالشمس التي لا تغيب أو ينطفئ نورها: "مهما يحاولوا يطفوا الشمس/ مهما يزيدوا علينا الهمس/ مهما يقولوا مهما يعيدوا/ إنت في قلبي إنت وبس".
إلى جانب الشعبية والجماهيرية الكبيرة التي حظيت بها أغنية "الشمس" خاصة مع صدورها عبر فيديو كليب يحمل جميع العناصر البصرية لفيديو كليبات التسعينيات، يبدو تأثير الأغنية مبهرًا مع استمراره بعد مرور حوالي 30 عامًا. فمؤخرًا، التقط مستخدموا التيك توك عبر فيديوهاتهم جملًا رومانسية من الأغنية، وبدأوا بمشاركتها لتنتشر على المنصة وتصل لأجيال جديدة من المستمعين، خاصة في الجزء الذي تغني فيه: "حتى في آخر يوم من عمري/ كنت هجيلك برضه يا قدري/ كل كلامهم مش هيأثر/ وأنا ولا هبعد ولا هتغير". تمنحنا هذه العودة لأغاني كلاسيكية لاحتلال التريند على منصات التواصل الاجتماعية، دليلًا قاطعًا على أن التحف الفنية الموسيقية هي تلك التي تصمد ضد عامل الزمن، وتنجح بالوصول دومًا إلى الأجيال الجديدة المتتابعة.