طوال الأشهر الماضية، حقق فضل شاكر عودة حميدة مع هيتات متتالية حققت ملايين الاستماعات، واستقبلها الجمهور بحماسة عالية. اثنتان منها -وهي "أحلى رسمة" وكيفك ع فراقي"- نجحت بالفعل في تصدر قائمة بيلبورد عربية الرئيسية هوت 100.
بدا أنه في تعاونه مع الشاعرة والملحنة جمانة جمال، والموزع حسام الصعبي، قد أتقنوا سويًا معادلة مثالية: تقديم أغاني بلمحات طربية وتوزيعات آلاتية شرقية متقنة تتناسب مع صوت فضل وتاريخه الفني، لكن بكلمات بسيطة وأسلوب سهل، ينجح بالوصول لكل شرائح الجمهور بانسيابيته العالية. هذه المعادلة لم تسمح بتقديم أغاني ضاربة فحسب، بل تركت الجمهور في شوق كبير للإصدارات القادمة، وكأنهم "مضوا على بياض" أن كل ما سيأتي من فضل بعد الآن، جميل..
ومن بعد نجاحات "كيفك ع فراقي"، سرعان ما عاد فضل مع الأغنية الجديدة "صحاك الشوق"، التي شكلت أول تعاون له مع جهة إنتاجية منذ أكثر من عشر سنوات، بعدما أعلن عبر بيلبورد عربية عن تعاقده مع بنشمارك، لإصدار أعماله الفنية القادمة تحت سقفها.
إصدار عنوانه النوستالجيا
في الفيديو كليب البسيط الذي صُنع لأغنية "صحاك الشوق" وأخرجته فاطمة شحادة -مخرجة المسلسل الوثائقي "يا غايب" الذي تناول السيرة الذاتية لفضل شاكر- نشاهد فضل جالسًا وخلفه أغلفة ألبومات وصور قديمة لفناني الزمن الجميل، وفي مقدمتهم السيدة فيروز. تتنقل اللقطات إلى أشرطة كاسيت وأسطوانات فينيل، ومسجلة قديمة من نوع سانيو. كل ما في المشاهد من تفاصيل بصرية تريد أن تقول لنا: ندرك أنكم تحنون للموسيقى والفن القديم، وفضل شاكر هو بوابتكم من هذا العصر إلى حقبة الطرب الأصيل.
منذ اللحظات الأولى في الأغنية يغمرنا مباشرةً شعور نوستالجي طاغٍ. نشعر مباشرةً أننا نسمع أغنية لبنانية قديمة متأثرة بالأغنية الفيروزية ومدرسة الرحابنة، بل ولربما تعيدنا المقدمة الموسيقية التي يعزفها القانون، ويليه صوت الرق، إلى الافتتاحيات الموسيقية الأكثر شرقية التي قدّمها فليمون وهبي لفيروز في أغاني مثل "ورقو الأصفر" و"يا ريت" أو حتى لحن وتوزيعات زياد الرحباني في "سلملي عليه".
حتى كلمات الأغنية في جمل "صحاك الشوق من نومك/ وبقلبي تعا كفي نومك" بدا أنها تقتبس - أو توجه تحية- لمعجم مفردات فيروز في أغاني مثل "من عز النوم" أو "حبيتك تنسيت النوم".
حكم أولي
لا خلاف على أداء فضل شاكر الطربي، فهو يغني ويطرب منذ عقود حتى في غنائه لأغاني البوب التقليدية. لكن الجديد الذي قدّمته "صحاك الشوق"، هو العنصر النوستالجي الذي قدّمه صناع العمل بدقة عالية، فهو يشبه أغاني كثيرة نحبها، وفي الوقت نفسه لا يشبه أي شيء سمعناه من قبل.
فبعد أن تعيدنا بأجوائها العامة إلى الأغاني اللبنانية الطربية القديمة، عبر العديد من التلميحات والتأثيرات المباشرة والغير مباشرة، تتابع في خطها الخاص، فيؤدي فضل لحنًا على مقام البيات، بأسلوبه التطريبي الهادئ الذي سمعناه في إصداراته الماضية.
"صحاك الشوق" أغنية يصعب الاكتفاء منها، تتركك في تعطش للمزيد، ولا نبالغ إن قلنا إنها تتفوق بين التسع أغاني التي أدّاها فضل منذ بداية العام، وإن كانت كل منها متفوقةً على طريقتها.