في عيد ميلاد وائل جسار، لا يمكن الاحتفال بمسيرته دون العودة إلى تلك الأغاني التي شكّلت جزءًا من الذاكرة العاطفية لجيل كامل. فبين صوته المفعم بالدفء، وقدرته الفريدة على تحويل الشجن إلى موسيقى خفيفة على الروح، قدّم جسار مجموعة من الأعمال التي تجاوزت حدود الأغنية الرومانسية التقليدية، لتصبح اعترافات صريحة ومشاعر مكشوفة لا يخجل صاحبها من البوح بها. هذا الحس العالي بالتفاصيل هو ما جعل أغانيه مرآة دقيقة للحب بكل تناقضاته: الشوق، والندم، والاحتياج، والحنين الكبير الذي يلتقطه جمهوره منذ الجملة الأولى.
ومع كل مرحلة من مسيرته، كان وائل جسار ينجح في تقديم أغنية عاطفية تبدو وكأنها مكتوبة على مقاس صوته وحده، أغنية مفرطة الرومانسية، لا تتردد في المبالغة الجميلة التي يحبها جمهوره. في هذا المقال، نختار 7 أغنيات قريبة من قلب فريق بيلبورد عربية؛ أعمال تجمع بين رهافة الكلام، وصدق الأداء، وشجن الألحان، وتذكّرنا لماذا ظلّ وائل جسار واحدًا من أهم الأصوات التي عبّرت عن العاطفة في الأغنية العربية المعاصرة.
بتوحشيني
في ألبوم "توعدني ليه" الصادر عام 2008 قدم وائل جسار واحدة من أكثر التجارب العاطفية تميزا في أغنية "بتوحشيني"، التي كتب كلماتها نبيل خلف ولحنها وليد سعد، والذي كان له نصيب الأسد في الألبوم بسبع ألحان من أصل 12 أغنية في الألبوم، مما يؤكد عمق الشراكة الفنية بينهما. تبدأ الأغنية بأنغام الجيتار الناعمة وتمهد الطريق لواحدة من أكثر أغنيات وائل استماعًا حتى اليوم على مختلف المنصات الرقمية.
الأغنية ليست مجرد اعتراف بالشوق بل رسالة عتاب مليئة بالتفاصيل العاطفية الدقيقة. يفتتح وائل الأغنية بصوت مكسو بالحنين معبرًا عن شوقه الكبير لكنه لا يكتفي بذلك، بل يحمل حبيبته مسؤولية غياب الاهتمام ولسان حاله يقول إن الحب لا يُقاس بالكلام وحده بل بما يشعر به من اهتمام ورعاية. تتنقل الكلمات بين الحنين واللوم ولكنها تظل دومًا مشبعة بالحب مما يجعل الأغنية مرآة دقيقة لمشاعر رجل عاشق لا يخجل من ضعفه ولا من حاجته لأن يكون محبوبًا بحق.
أما اللحن فقد بدا وكأنه مفصل على مقاس صوت وائل جسار، وليد سعد الذي يعرف خريطة صوت وائل عن ظهر قلب قدم لحنًا يتناغم مع عُربه الشرقية وطربيته، فجاء العمل منسجمًا إلى درجة يصعب تخيل أحد غيره يؤديه. *من اختيارات نورهان أبو زيد
نخبي ليه
من المشاهد الرومانسية التي لا تنسى، مشهد ظهور وائل جسار في فيلم 365 يوم سعادة بشخصيته الحقيقة، في واحدة من أكثر اللحظات دفئًا وعذوبة. جاءت أغنية "نخبي ليه" التي كتبها نبيل خلف ولحنها وليد سعد كقطعة موسيقية محورية داخل الحدث الدرامي، إذ حقق البطل أحمد عز أمنية البطلة التي جسدتها دنيا سمير غانم بدعوتها لحفل خاص ومفاجئ يحييه وائل جسار بنفسه.
اختيار الأغنية لم يكن عشوائيًا فهي تنتمي إلى فئة الأغاني الرومانسية الكلاسيكية التي تتكئ على لحن شجي وكلمات تفيض بالرقة من مثل المقطع القائل:"قالولي الحب له علامات / في نبض القلب والهمسات / وروح بتطير تنادي عليك / ورعشة إيدي في السلامات"
نجحت الأغنية عند صدورها في أن تحظى بشعبية واسعة لا تقل عن شعبية الفيلم ذاته، ويُحسب لوائل جسار أداؤه الصادق والعاطفي الذي لم يخل من اللمسة الطربية المعهودة فيه، بينما جاء التوزيع الموسيقي غنيًا بالوتريات مما أضفى على المشهد سحرًا إضافيًا. *من اختيارات نورهان أبو زيد
ع الجمر
صدرت "ع الجمر" في مطلع الألفية، في فترة كانت تشهد تألق الأغنية اللبنانية وصعود عشرات الأسماء الجديدة على ساحتها من كافة الأنماط والأساليب وأنواع الأصوات. لم يمنع ذلك من أن تكون الأغنية من بين أولى هيتات الفنان الشاب التي تحقق له الجماهيرية الواسعة وتقدمه في إطار شبابي أكثر من البصمة الطربية التي تركها مع أغاني سابقة مثل "الدنيا علمتني".
كتب كلماتها حسان المنجد، بلهجة بدت خليطًا من لهجة البادية واللهجة اللبنانية. بينما عرف الملحن نقولا سعادة نخلة كيف يصنع انتقالات لحنية درامية، كانت تجسيدًا على قدرة صوت وائل جسار على الجمع بين الإحساس والقوة، والأداء بثبات وتمكن في مختلف الطبقات. صوت السهل الممتنع، الذي يمكنه أداء كل شيء بلا استثناء. *من اختيارات عمر بقبوق
احتجتلي
المرة الأولى التي سمعت فيها عن وائل جسار كان عام 2013. وقتها انتشرت أغنيته "يوم زفافك" في محيطي، تارة بالسخرية، وأخرى بالتأثر الشديد. وربما هو الأثر نفسه الذي تتركه الأغنية الآن. وقتها سمعت عن الشاب اللبناني الرقيق في شريط "ساعات بقول"، ولا أذكر من كل ذلك سوى أغنية علقت في ذهني ولم تخرج: "احتجتلي".
"احتجتلي" تحمل مفارقات عدة: كتابة هاني عبد الكريم التي تحمل بعض الخداع. هذه الخديحة البريئة ليست لمن تُقال إليه الكلمات، بل خداع صاحبها نفسه الذي يظن من اللحظة الأولى أنه لم يكن يحتاج للحب أساسًا. وربما لذلك وضع الملحن وليد سعد لحنًا لا يحمل تغيرات كبيرة، يؤدي دورًا حميميًا فقط، ويترك المساحة الأكبر لأداء وائل جسار الذي يخطف الأذن من أول لحظة.
تتحوّل الثقة المفرطة في الجزء الثاني من الأغنية إلى رغبة للبوح في مدى ذلك الاحتياج الذي كان يرغب فيه الإنسان دون أن يدري. لا تتفوق الأغنية لصالح أحد على حساب الآخر، ولا يمكن تمريرها سوى بالاعتماد على صوت يحمل كل ذلك الثقل. وإذا كانت أغنية "كلام الدنيا" في الألبوم نفسه فيها مساحات صوتية للاستعراض أيضًا، وتفيض بالحب المفرط، فإن في رحلة "احتجتلي" ما لا يمكن نسيانه. وربما جعلت كل ما غنّى جسار لاحقًا أو سابقًا لها مرغوبًا فيه. ربما تتكرر تلك الرحلة القصيرة التي يدرك فيها المستمع كل مرة أنه يحتاج الآخر بقدر ما يحتاج إليه. *من اختيارات حسام الخولي
موجوع
لا يمكن نكران تفوق وائل جسار باللهجة المصرية، وهي مكانة وجماهيرية لم ينجح بتحقيقها سوى نجوم معدودون من فناني لبنان. مع ذلك، فإنني شخصيًا أحب أغانيه اللبنانية بشكل خاص. أداؤه فيها، وخصوصية صوته، تمنحنا كل مرة أعمالًا فيها روح مستقلة ومختلفة عن السائد.
في "جرح الماضي" أو "موجوع" يغني وائل جسار عبارات بسيطة من كلمات بيار الحايك: "إذا شايفني مش عم ببكي ليش أنت خليت دموع/ إذا شايفني مش عم بشكي فكرك يعني مش موجوع؟" لكن البساطة لم تمنع من وصول الإحساس، بل صنعت لوائل هيت لا ينسى، خاصة مع ألحان ياسر جلال التي تنقلت في المقاطع بين القرار والجواب، وكأن المتحدث ينتقل من الهدوء إلى الانفجار في الحديث عن انكساره في الحب. *من اختيارات هلا مصطفى
ظروف معنداني
تتمتع أغنية ظروف معنداني بمطلع لا يمكن نسيانه، مع عذوبة صوت النجم وائل جسار بكلمات هشام صادق واللحن من مدين الذي كان أسرع من البوب المعتاد وقتها، وتوزيع غير متكلف من احمد عبد السلام.
تمكنت الأغنية من التعبير عن اللهفة في مشاعر الحبيب مع بدايات سريعة للأبيات "مش هنكر حقيقة حاجات حلوة وبريئة حسيت معاك بيها" والتعبير أيضًا عن تبريره لتغير حبه مع نهايات ممدودة للأبيات تعطي لوائل جسار مساحة طربية اكبر "طبيعي تتغير عشان بعديها شوفت عذاب، طبيعي هتغير مادام بسهولة كدة بتساب". * من اختيارات محمود عرابي
مشيت خلاص
صدرت أغنية "مشيت خلاص" ضمن ألبوم حمل نفس الاسم عام 2005، وجاءت لتجسد المرحلة الفنية لوائل جسار في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، حين ركز على الأغاني الطربية العاطفية. تزامنت هذه الفترة مع اهتمام واسع بالأغاني التي تعبّر عن الانفصال والفقد، مع ميل الجمهور إلى الأعمال الطربية التي تعتمد على القوة الصوتية والتعبير العاطفي المكثف. جاء صوت جسار مشحونًا بالعاطفة، متداخلًا بين نبرة الحزن ولحظات الاستسلام والاعتراف بأن الرحيل أصبح الحل الوحيد. نقلت كلمات الشاعر هاني عبد الكريم صورة قلب ممزق يواصل البحث عن السلام بعد الفراق، فيما أتاح اللحن لوليد سعد إبراز قدرته على التحكم بالانفعالات الصوتية ونقلها للمستمعين بطريقة صادقة وحقيقية. *من اختيارات نور عز الدين






