في التسعينيات تعرَّف الجمهور على مروان خوري عازفًا وملحنًا ومؤلفًا لأهم روائع الأغنية العربية في تعاونات مع ماجدة الرومي وإليسا وكارول سماحة وغيرهم الكثير. أما بدايات مروان الغنائية فكانت عام ١٩٨٧مع شريط كاسك حبيبي، ثم عاد بشريط خيال العمر عام ٢٠٠٢ وفيديو كليب يا شوق، لتنطلق مسيرته بأعمالٍ لا تنسى ما تزال تترك بصمتها في ذاكرة الأغنية العربية المعاصرة. نبحر مع مختاراتنا لأجمل ما غنى الموسيقار مروان خوري عبر مسيرة غنائية التي لا تقل رقة وجمالًا عن كلماته وألحانه.
كل القصايد
وقع الجمهور العربي في حب خوري مع ثالث ألبوماته، كل القصايد، الذي تلى انضمامه لشركة روتانا سنة 2004، وحقق له انتشارًا واسعًا بفيديو كليب سينمائي للأغنية التي حملت نفس الاسم من إخراج شقيقه كلود خوري خلَّد أغنيته الكلاسيكية في أذهان محبيه حتى اليوم.
يستهل خوري كل القصايد التي كتبها ولحنها وحمل توزيعها توقيع بلال الزين بجملة بيانو ميلانكولية يكثف الكمان عاطفتها ومن خلفه الجيتار الكهربائي في مقدمة تعكس حيرة المحبوب الذي أتعبه الهوى فدار يلقي الشعر عشقًا، ممهدًا لخوري أن يبدأ مطلع أغنيته السردية بأبياتِ عنترة بن شداد، عودةً لغواية شبابه المحببة في تلحين وغناء الشعر العربي: "آهٍ على قلبٍ هواه مُحكَّم/فاض الجوى منه فظلمًا يكتمُ/ويحي أنا، بحتُ لها بسرِّه/أشكو لها قلبًا بنارها مُغرمٌ"، ينتهي الفصل الأول من كل القصايد بممر تقوده الكمان نحو انفراجة أمل، ينساب خوري متبسمًا من بين ثناياها ليغني "كل القصايد من حلا عينيكِ، من دفا إيديكِ كتبتن وقلتن"، ببلاغة رقيقة، وكأن كل خطٍ سطره شعراء العرب قد كُتب في حبها هي وحدها.
قصر الشوق
عادة ما نحّن لماضٍ عشناه نذكر حلوه كما الأحلام، لكن في قصر الشوق، يغرقنا مروان خوري في حنينٍ جارف لحب لم يأتِ بعد، ذلك الوصال الذي انتظره هو طويلًا، "قصر الشوق اللي ما بيتعمَّر". منذ الوهلة الأولى تضرب الكمان مسامعنا تدغدغ شعورًا بافتقادٍ مكثف، ويخرج البراس بطيئًا بصوتٍ رخيم وكأنما يستعيد الذكرى، يتبعه نغمات البيانو المتلاحقة التي تذكرنا بصندوق راقصة الباليه الخشبي، ثم إيقاعات الرق حتى لا يبقى مجالًا لانفلات الروح من ذلك الحنين، فيما يتهادى صوت خوري: "صوتك وجك، عطرك، شعرك/لمسة إيدك عم تندهلي/شايف فيكِ إم ولادي/شامم ريحة أرضي وأهلي".
دواير
قدّم خوري لحنًا دراميًا باللهجة المصرية لفيلم أوقات فراغ من كلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، قبل أن تصدر دواير كاملةً في ألبوم أنا والليل عام ٢٠٠٨. بتوزيع أوركسترالي عتيد ملحمي من داني خوري يوازي ملحمية الأبنودي الشعرية، تشبه الأغنية حالة ركض سيزيفي لا ينتهي، تدور كرقصة تتلاقى كل الآلات فيها في تلاقٍ وافتراق مستمر. تنطلق الأغنية على أسطر البيانو وكمان ترسم أحلام الشباب التي توشك الحياة على غربلتها، فيغني خوري بنعومة: "طيور الفجر تايهة، في عتمة المدينة بتدور"، وبحسرة وتوجس مكثف في "ولا حاضر، ولا ماضي، تروس بتلف ع الفاضي، ولا فينا شباب زعلان، ولا فينا شباب راضي".
العد العكسي
ربما أراد مروان لهذه الأغنية الآملة التي كتبها ولحنها لمسلسل لعبة الموت، أن تكون رمزية لخلاصه الجبراني "لا تعش نصف حياة". انقضى من العمر ما انقضى بلا رجعة، فغنى مروان منتفضًا: "عم يبدا العد العكسي، من بعد الانتظار/بقرر عن نفسي لنفسي، بإيدي آخد قرار". بخفة، يبدأ توزيع داني خوري بنغمات البيانو والكمان لتعكس طول هذا الانتظار قبل أن ينكسر بدخول الإيقاع وانطلاق مروان صوب الحياة: "كسر حيطاني وشمسي، تضوي عتم المدار". تتحرك أسطر الكمان بالتوازي مع الجيتار الكهربائي في ثنائية تنسج لوحة عن التحدي والأمل العنيد.