لم يمضي سوى عام واحد على الانطلاقة الفعلية لمسيرة مهى فتوني الموسيقية، ولم تُصدر خلال هذه المدة سوى ثلاث أغانٍ مُنفردة، متقلقش والصبر جميل وسافرت بعيد، بالإضافة إلى ديو قلب صافي مع أحمد سعد الصادر نهاية الصيف الماضي. تمكنت المغنية الشابة مع ذلك أن تحجز بسرعة مكانة خاصة بين مصافي النجوم العرب، ويعود أغلب الفضل في ذلك إلى أغنية الصبر جميل، التي أصدرتها في بداية ٢٠٢٣، ولم تُفارق مُنذ تلك اللحظة قوائم الأغاني الأكثر استماعًا ووصل عدد مشاهداتها إلى أكثر من ١٢٠ مليون على يوتيوب.
تخلق الصبر جميل شعورًا مباشرًا بالألفة، فكلماتها التي كتبها أحمد العزب واللحن الذي ألفه محمد عبد المجيد ووزعه عمرو الخضري، جميعها أصيلة، تحيلنا إلى زمن ولّى وغاب عن المشهد الموسيقي في الأعوام الأخيرة، لكنه لايزال محفورًا في الذاكرة. ولعل الثيمة الحزينة للأغنية الطربية الكلاسيكية، والتي تستحضرها مهى فتوني دون اجتهادات كبيرة، تزيد من جاذبية الأغنية، فتمُس المشاعر بكلماتها التي تمعن في وصف الظلم والهجر والمشاعر المؤلمة التي تُصاحب أحد الأطراف بعد انتهاء علاقات الحب.
أما العامل الحاسم في نجاح الأغنية، فيظهر وبلا شك مع صوت مهى فتوني الدافئ وأدائها المُتقن. فإذا ما قُمنا بقياس الصبر جميل بمعايير الأغاني الطربية، نلاحظ أنها أغنية خفيفة نُسج لحنها كاملًا على مقام الكُرد، الأكثر شيوعًا في الأغاني العربية الحديثة، ويصاحبه إيقاع مقسوم بطيء. لكن المُميز في الأغنية في الحقيقة هو أداء مهى فتوني المضبوط على مقاس الأغنية، فلا تُغالي بالتعريب ولا تستعرض إمكانياتها الصوتية أو ترتجل بشكل يُشوش على هدوء لحن الأغنية، على غرار ما يفعل غالبية أبناء جيلها عند تقديم اللون الطربي، بل تؤدي على درجات ركوز المقام الصحيحة.
قد يعود سر النجاح المُذهل الذي حققته مهى فتوني في أغنية الصبر جميل إلى قلة الإصدارات الطربية في الساحة الفنية العربية، والتي يبدو الجمهور الواسع ذو الميول الكلاسيكية متعطشًا لها، ولكنها بالتأكيد لم تكن لتنجح لولا موهبة مهى فتوني وصوتها الفريد.