يحمل عشاق موسيقى البوب المصري محبة خاصة لجيل التسعينيات، حيث إنه الجيل الذي مثل اللبنة التأسيسية للجنرا، واستمر عطاؤه لعقود بعدها. وضمن كوكبة نجوم هذا الجيل، لمع شاب سكندري بدا واثقًا للغاية من نفسه منذ البداية، وتنقّل بسلاسة بين العديد من الأنماط الموسيقية، مقدمًا تجارب جديدة على مستوى الكلمات والأداء الغنائي والإنتاج الموسيقي، كما ترك بصمة مهمة في صناعة الفيديو كليب.
بمناسبة عودته لإصدار الألبومات، بألبوم "قمر 25" الذي أعلن عنه مؤخرًا، نستعيد أبرز هيتات مصطفى قمر على مدار السنوات، ونختار "هيت" واحد من كل ألبوم في فترته الذهبية، التي امتدت عامًا بعد عام منذ أول ألبوماته "وصّاف" عام 1991 وحتى ألبوم "لسه حبايب" عام 2006.
"مكاتيبي" من ألبوم "وصاف" 1991
قدم المغني الشاب واحدة من أبرز الانطلاقات الفنية بألبوم "وصاف"، صنفته الشركة المنتجة تحت عنوان "موسيقى الجيل".
اعتمد سامح العجمي على الاستعارة من قاموس الأغاني الشعبية ليطعم الأغنية العاطفية بكلمات مثل "يابو جلابية طوبي" (التي أصبحت الاسم غير الرسمي للأغنية)، و"شدِّتلك مكاتيبي"، وصنع حميد الشاعري توليفة جمع فيها بين الأكورديون بإيقاعه الشعبي والصقفات البدوية المعتادة في أعماله، وغلب على التوزيع الطابع الفلكلوري الذي أبرز قمر كفنان صاحب اختيارات ذكية منذ البداية.
"إسكندراني" من ألبوم "لياليكي" 1992
يمثل ألبوم "لياليكي" تحية خاصة من الإسكندراني لمدينته، وأحد الألبومات الأيقونية في أرشيف البوب المصري. تأتي "إسكندراني" كتقديمة عاطفية للألبوم، يمنح فيها الشاعر عادل عمر المستمع إحساسًا شبيهًا بإحساس دخول الإسكندرية من محطة قطار أو ميناء، متعرضًا لأبرز معالمها، بينما اعتمد لحن وتوزيع حميد الشاعري على الإيقاع السريع للأورج والطبلة مع تكثيف البايس؛ تركيبة تجعل اللحن وكأنه سيارة تاكسي تأخذنا في جولة سكندرية سريعة في أرجاء المدينة.
"رمش عينه" من ألبوم "سكة العاشقين" 1994
أعلن قمر من خلال الكليب الخاص بالأغنية، الذي أخرجه عمرو صلاح الدين، عن بداية مرحلة النجم الوسيم، بتقديمة شملت تواجده في سباق سيارات حُرّ، ركز فيها المخرج على إظهار ملامحه على طريقة البورتريه.
لحن مصطفى الأغنية بنفسه، ووزعها حميد الشاعري، فأضفى عليها مسحة كلاسيكية طربية بإدخال الكمان الشرقي، مضيفًا بُعدًا مختلفًا لطابع البوب الشعبي الذي قدمه في الألبومين السابقين.
"افتكرني" من ألبوم "افتكرني" 1995
أثبت قمر بعدها بعام أنه قادر على تقديم أفكار بصرية جديدة ممهدًا الطريق لسمعة "نجم الفيديو الكليب"، حيث قدم سردية شديدة الحزن والدراما لتعبر عن مشاعر الفقد مستعينًا بثيمة وفاة الحبيب واستعادة ذكريات العلاقة العاطفية به، في فيديو كليب أخرجه حسين دعيبس.
في الأغنية، استطاع الملحن عصام كاريكا والموزع أشرف عبده خلق الجو الموسيقي المناسب لتلك العناصر عن طريق المزج بين أنغام الكونترباص والكمان، مع ظهور واضح للهاي هاتس (الدرامز الخفيفة) أعطى ايقاعًا سريعًا وعميقًا في الوقت نفسه، معبرًا عن مشاعر مختلطة ومركبة. أما أداء مصطفى فجاء متدرجًا من الطبقة المنخفضة الهادئة، صاعدًا إلى طبقات أعلى مع تصاعد اللحن، بينما استعارت كلمات سامح العجمي من أجواء المواويل الحزينة والدرامية لكن بمفردات حديثة.
"مراكبي" من البوم "طال الليل" 1997
بهذه الأغنية، عاد مصطفى قمر للأجواء الساحلية مرة أخرى، حيث قدمت كلمات سامح العجمي رحلة الحب والحيرة والإحساس بالضياع عن طريق مصطلحات البحّارة، ليجعل منها رحلة بين ساحلين لا يمثل أي منهما محطة للاستقرار، أما توزيع حميد الشاعري للحن مصطفى قمر فمزج بين الإيقاع الكلاسيكي والشعبي.
"السود عيونه" من ألبوم "نار الحب" 1998
لا يتعلق الأمر بالبناء اللحني للأغنية ، فهي لا تختلف كثيرًا عن هيتات مصطفى قمر الراقصة التي قدمها مع حميد الشاعري. المميز هنا هو استخدام الغزل الشعبي المرتبط بالخفة والمرح: (عنَّاب خدوده..سكري/ قربت منهم.. أشتري/ عناب خدوده حلو ياني قربت منه قام سقاني/ قدمت المهر مهر غالي وخطفت النجمة من العلالي". كتب الكلمات سامح العجمي ولحنها حمدي صديق.
"الليلة دوب" من ألبوم "عينيك وحشاني" 1999
استطاعت " الليلة دوب" بلحنها التراثي أن ترسم لوحة كاملة للسهرات الاحتفالية؛ حيث يكثف الموزع طارق مدكور استعمال الدفوف في البداية بإلهام من الفلكلور النوبي، كما يساهم البَريكشن والسِنث الخفيف في نقل إحساس نعومة الليل. الانتقال للنوتات الأعلى في طبقة صوت مصطفى قمر مع اللحن يأتي كقرار منه بأن الليلة يجب أن تستمر، بينما تعطي سترينجات الجيتار إحساسًا تصويريًا لمظاهر السَمَّر، ويجعل تعبير سامح العجمي "الليلة دوب" (اليوم للحب) الفعل الاحتفالي أشبه بالطقس الجماعي.
"وشوشيه" من ألبوم "عايشين" 2000
كانت "وشوشيه" مدخل قمر لنمط موسيقي جديد عليه في بداية الألفية، حيث استعان بالملحن عصام كاريكا والموزع طارق مدكور ليقدما له مزيجًا جمع بين طاقة الروك وحالة البوب الشعبي الاحتفالية. كما ضخت كلمات الشاعر رضا زايد الرنّانة المقفاة والمعتمدة على الجناس الموسيقي روحًا مختلفة مبهجة بجمل مثل "حِبِّي وخبِّي ومهما تخبِّي في حبنا" أو "أرمي الودع / قولي البدع"، لتصبح الأغنية هيت راقصة ضاربة في صيف عام 2000.
"حياتي" من ألبوم "حياتي" 2001
استطاعت الأغنية أن تضمن مكانتها الأيقونية في تاريخ البوب المصري من خلال الاعتماد على أحد أكثر الثيمات المفضلة للمستمع، وهي المزاوجة بين اللحن الراقص والكلمات الدرامية. تعبر كلمات أمير طعيمة عن معاناة الحب السام بجمل مثل "ليه يا ناسيني حبك بالشكل ده/ تجرحني وتواسيني ميبانش عليك كدة"، بينما يأتي لحن عمرو مصطفى وتوزيع حميد الشاعري راقصين مطعَّمين بطبقة من لحن الجروف ذات البايس المضخَّم. وبالتأكيد لا يكتمل الحديث عن تلك الأغنية دون ذكر التقطيعات واللزمات الرنّانة التي خلقها مصطفى وظلت في أذاننا بعد أكثر من عشرين عامًا من إصدارها، مثل "حبيب/ اّها /حياتي/ معاك/ آها/ حياتي"، و"كده كده لما انت بتهواني / كده كده تشغلني وتنساني"، علاوة على التقطيع في الجمل أثناء الأداء لإعطاء إحساس أكبر بالألفة، وكأنها جمل حوارية.
"منايا" من ألبوم "منايا" 2002
جاءت الأغنية منفذة بنفس تقنية "حياتي"، ولكنها خلقت أسطورتها الخاصة بسبب ما تردد حول أداء قمر للأغنية بشكل معكوس في الفيديو كليب الخاص بها، وهو ما أكده مصطفى بنفسه لاحقًا. اعتمد الفيديو، الذي أخرجه الفرنسي ستيفان رينار، على تصوير الأحداث بالمعكوس، حيث يبدأ الكليب من النهاية وينتهي عند لحظة اللقاء الأول. كانت النتيجة مدهشة، وأثارت الحديث حول تقنيات إخراجه بين المهتمين بالمشهد الموسيقي في ذلك الوقت.
"لسه حبايب" من ألبوم "لسه حبايب" 2006
من الأغاني الأيقونية التي حملت حسًا ساخرًا تمثل في الهُوك الخاص بها ("يووه ما خلاص قولنا")، لتتحول إلى جملة يقتبسها العديد من الأعمال والاسكتشات الكوميدية. كما أعطى قمر مساحة للكورس ليطغى على غنائه في الكوبليهات، مضفيُا عليها الروح الجماعية الاحتفالية. كتب الكلمات خالد تاج الدين، ولحنها عمرو مصطفى ووزعها طارق مدكور، وصورت أيضًا تصويرًا مميزًا لستيفان رينار -صاحب كليب منايا- أظهر المطرب والموديل وكأنهما قد خرجا لتوهما من عالم ثنائي الأبعاد.