خلق مسلسل بطن الحوت، المعروض مؤخرًا على منصة شاهد، من إخراج وكتابة أحمد فوزي صالح وبركات محمد، وبطولة محمد فراج وباسم السمرة وأسماء أبو اليزيد، حالة من المتابعة والاهتمام حوله لأنه جسَّد الصراعات التي تخوضها شخصيات العالم السفلي للمدينة، والتي يتعذر دخول القانون فيها لتشعباتها. دائمًا ما تحمل الأعمال المشابهة في باطنها رمزيات أكثر تجردًا وتمثيلًا للصراع الإنساني، لذلك يكون تمثيل الحالة المصاحبة لها موسيقيًا تحدٍ مختلف، خاضه المؤلف الموسيقي خالد الجابري في بطن الحوت بشجاعة كبيرة.
يتعاون خالد الجابري مع جهاد حسام الدين في أغنية تتر البداية التي تحمل عنوان عش الطيور، تستلهم الأغنية كلماتها من الأسلوب الصوفي، معبرةً عن حالة روحانية تصف حياة سكان المناطق المهمشة من المدينة، مستعينًا بلحن مكون من البايس جيتار والدرامز بشكل أساسي. نستمع أيضًا ضمن المسلسل إلى أغنية الدرب فتأتي قريبةً من أسلوب الموال الصعيدي في الكلمات والتعابير، ووصف الوفاء والغدر والخسة، مع لمسات إلكترونية. أما أغنية سألت عالصبر فتعطي مساحة كلاسيكية من الحب المربوط بالشقاء والألم والانتظار، مازجًا أيضًا بين الإلكترو والتراب.
عكس تلك الحالة الروحية، يعيدنا تراك عصابات لـ دابل زوكش ومولوتوف، الصادر عام ٢٠١٩، إلى أرض الواقع، ويعد وضعه كتتر نهاية وليس بداية خيارًا موفقًا للغاية، فهو يأتي كمتمم لكل حدث تشهده أي حلقة من حلقات المسلسل. اعتمد اللحن على دمج مقسوم المهرجان مع الإلكترو، وحمل الكثير من التعبيرات المرتبطة بأحداث المسلسل، وبتلك الحياة في العالم السفلي للجريمة في المدينة، مثل: "في الضلمة بشوف، بشد السيوف، انا سياف… أطفال بتطلع من الحواري، عارفة إزاي تجيب رغيف… مفيش حكومة مفيش قواضي".
بعيدًا عن الأغنيات وعبر الموسيقى التصويرية للمسلسل يلعب خالد الجابري على ثيمة التكرار الإيقاعي كوسيلة لتمثيل الصراع الرمادي في العالم التحتي. يستعين بالإيقاعات السريعة والحادة في الانتقالات، وتكرار حركات الآلات، والمزج بين التدفق الإلكتروني للموجات، والأدوات الإيقاعية المختلفة. يجمع في اللحن الرئيسي بين العود، مع ألحان إلكترونية في حركة مكررة مثل حركة إيقاع الطبول، مضيفًا إليها أصوات ثانوية رنانة. أما مع المشاعر المختلطة وبداية الصراع بين أقطاب المسلسل بشكل متدرج، فيبدأ بتوظيف الناي بالتوازي مع البيانو في طبقتين بالموازاة، تتصدر فيه في النهاية النوتات العالية للبيانو، مع إيقاعات التيمباني في الخلفية. ويستعين الجابري بسامبلز من أصوات إنشاد مكثّفة مختلطة، ويحولها مع صوت الصدى إلى ما يشبه الموجات. يبدو ملفتًا وجذّابًا للغاية التكثيف الخاص بصوت الجرس في لحظات الاستغراق والتمهل، وفي مراحل التصاعد يستعير المؤلف بحركات الربابة الإيقاعية التقليدية ليقدمها على الكيبورد، موظفًا التشويش كإيقاع مواجه لإيقاع الكيبورد.