لا يبدو الكتالوج الموسيقي للرابر المغربي حسن كسجلّ فنان بدأ مسيرته قبل أقلّ من خمسة أعوام. ليس فقط لغزارة إنتاجه، بل لتنوّعه اللافت وتقلّبه المستمر بين أساليب وثقافات مختلفة. فتعاونه مع رابرز من تونس ومصر والخليج، مرّة في ألبوم تجريبي لمنتج من المنصورة، ومرّة في أحد أبرز الهيتات المغربية للعام الماضي، يكشف عن فنانٍ يرفض الانتماء إلى قالبٍ أو جنرا بعينها. منذ خطوته الأولى، قرر حسن أن يخلق مساره الخاص، لا يتبع سوى صوته الداخلي وخياراته.
الغاضب منذ اللحظة الأولى
في نهاية عام 2021، انقلب حسن على وظيفته كطباخ، وبدأ أولى محاولاته في سرد تجربته عبر تراك وفيديو كليب "Déprimé"، الذي بدا كمرآةٍ لحياته الواقعية. يظهر فيه طباخًا يحلم بالغناء بينما يحاول الجميع إقناعه بالبقاء موظفًا عاديًا، باستثناء أمه التي تؤمن بأنه سيصبح عظيمًا.
منذ ذلك التراك، أخذت أعماله التالية مثل "Solide" و"Motobecane" تتأرجح بين الصلابة في مواجهة ضغوط الحياة، والرهان على الموسيقى كمخرج وحيد من واقعٍ خانق، حتى لو ظلّ الحلم غامضًا ومعلّقًا في الأفق.
على عكس كثير من قصص الكفاح التي تقتات على الألم والطفولة الصعبة، ركّز حسن على غضبه من الركود، وسعيه المحموم نحو الفوز السريع. في ألبومه القصير الأول "Promise" (2022)، صبّ جام غضبه في "La Bandera" على حبيبته التي اختارت الأمان المادي، ووصف جيله بأنه "جيل كله دراما". وفي "مشاكل"، أقرّ بظلم الواقع، لكنه أعلن المقاومة الفردية كخيارٍ لا تراجع عنه.
مع ألبومه المشترك مع فلاك "Focus" (2023)، بدا حسن وكأنه يعلن عن هويته الفنية الكاملة: مجازف، تجريبي، ورافض للانسجام مع الواقع المضمون. عبّر الألبوم عن جيلٍ يواجه عالمًا مضطربًا لا يترك له سوى خيار الصلابة والسخرية والاستمرار رغم كل شيء. لم يكن التبجح عنصرًا طاغيًا في تلك المرحلة، بل اثبات القدرة على البقاء، حتى لو وحيدًا.
تحرر تأتي معه الثقة الكاملة
بعد "Focus"، انفتح حسن لغويًا وفنيًا. قدّم في "Bènèf" مع سكول بوي شخصية حملت جرعة أقوى من التبجح، واستعادة لصور من اللاوعي ومن خيالات الطفولة والمطعم، وتشبيهات تستمد تعبيراتها من الثقافة الشعبية والمدرسة السريالية.
كما انفتح على الجانب العاطفي بشكل مرح في "وصلني مسج" مع فلاك، وتصالح مع ذاته عبر الاسترخاء والهدوء التام المتأمل في الصعاب التي يواجهها من منظور الحالم الحكيم في "واعرة". كل تلك الإصدارات التي سبقت ألبومه الطويل الأول "Prince"، لم تحمل خطًا واحدًا، بل ظهرت كتداعيات لما هو قادم.
يحمل عنوان الألبوم تشابهًا رمزيًا مع مؤلف مكيافيللي "الأمير"، إذ يواصل حسن فيه سخطه على العالم، لكن بوعيٍ أكبر ونبرةٍ أقل ندمًا. في "جنة حربي" لا يأسف على من غادروا طريقه، وفي "مليون" يسخر من أوهام البساطة والثراء، كاشفًا عبء العلاقات والمسؤوليات على الفرد. في المقابل، يظهر كابنٍ حنونٍ ومحبٍّ لأمه في تراكات أخرى، ليقدّم صورة أكثر إنسانية لفنانٍ يواجه قلق ما بعد النجاح، ذاك القلق المزمن الذي صار سمة جيله.
فرداني يتحرك بكل الاتجاهات
يرتبط حسن بشكل كبير بالتراب والدريل والأفروبيت كجنرات أساسية، لكنه يتلاعب ويجرب على نطاق واسع داخل تلك الخطوط، بمعاونة العديد من المنتجين الموسيقيين مثل حادس ومهدي أون ذا تراك وودراكونيك وفلاك وطالقي وغيرهم.
يطعم موسيقاه بتقنيات التبطيء والتسريع والمؤثرات الصوتية المختلفة، ويغرق صوته في الكثير من الأحيان بالأوتوتيون، كما يقدم الهايبر تراب ومدخلات من الجيرسي في العديد من إصداراته. كل ذلك، إلى جانب بيرسوناه المتمرّدة الباحثة عن ذاتها، جعله قادرًا على الاندماج في أي ثقافة موسيقية بسهولة.
ثم كان تعاونه الأشهر والأكثر نجاحًا مع شاو ونيرة في "بابور اللوح"، ودخوله خط المهرجانات بالتعاون مع "عنبة" في "واحد من الناس" ضمن ألبومه "Prince"، إضافة إلى المشاركة في الجزء الثاني من ألبوم المنتج الموسيقي المصري عمر جانجستر "ابن المنصورة" في تراك "مفيش منه" مع يانج جيزة، والذي يجمع بين الفونك والتراب الشعبي. قبل أن يشارك مع بلاك بي ورحمن في تراك "موديلز" من ألبوم "فالهالا"، وتعاونات أخرى كثيرة جعلت منه "حرباء" مشهد الهيب هوب العربي.