تجسّد موسيقى الراي القادمة من شوارع الجزائر الجوهر الروحي لثقافة شمال إفريقيا. تجاوزت ألحانها الجذابة وإيقاعاتها الغنيّة وكلماتها الصادقة الحدود، ولاقت صدى لدى الجماهير في جميع أنحاء العالم. ظهر هذا النوع الموسيقي مع بداية القرن العشرين، خارجًا من المجتمعات المهمشة في الجزائر، حيث كان بمثابة شكل من أشكال التعبير الاجتماعي وحملت مواضيعه معالجة لقضايا الفقر والقمع والهوية الثقافية.
تميز الراي بصوت الآلات تقليدية في البداية، مثل البندير وهو آلة إيقاعية والكمبري وهو آلة وترية بالإضافة إلى آلة الفلوت، بينما استلهمت كلماته من الأشعار البدوية والملحون. تعتبر أغاني الشيخة ريميتي وغيرها من الشيوخ مثالًا حيًّا على تطور هذه الجنرا. أحدثت كلماتها الجريئة ثورة في منتصف القرن العشرين في عالم الأغنية الجزائرية وأسس صوتها للراي النسوي، وقد دخل خلال فترة الستينيات آلات جديدة مثل الساكسوفون والأكورديون والغيتار الإلكتريك.
تحولت النوادي الليلية في وهران إلى استديوهات للتجريب خلال السبعينيات، استبدلت تسمية الشيخ أوالشيخة بالشاب أو الشابة، وأدخلت الآلات الحديثة مثل الكيبورد و آلات المزج، وظهرت موجة جديدة مع الشاب حسني مؤسس الراي العاطفي. انتشرت هذه الموجة في الحفلات والأعراس والتجمعات حيث تحدت كلماتها الأعراف الاجتماعية داعيةً إلى التغيير، وعلى الرغم من فرض قيود ورقابة ومنع الأغاني بسبب الكلمات الجريئة، إلا أنه تم تناقلها على أشرطة الكاسيت وصار الراي من أشهر الجنرات في الجزائر.
لم يتم الاعتراف بالراي رسميًا حتى عام ١٩٨٥، حيث أقيم المهرجان الدولي الأول لموسيقى الراي في الجزائر. عَرف بعدها خلال التسعينيات فترة من النجاح التجاري، مع خروج أسماء جديدة ساهمت بنقله إلى العالمية، حيث انتشر صوت الشاب خالد بأغنية "ديدي" سنة ١٩٩٢. كما تداخل مع عناصر من جنرات أخرى منها تجربة الشاب مامي مع الراي-آندـبي في "باريزيان دو نورد"، التي دمجت بين إيقاعات الهيب هوب وتلاوين صوت الراي. هذا وبرز مع بداية الألفية، موجة أصوات جديدة من المهاجرين الجزائريين منها رشيد طه وفوضيل، نقلوا الهوية الثقافية لشعب الجزائر من الداخل إلى المهجر عبر الراي.
مع دخول العقد الأول من الألفية، تداخلت موسيقى الراي مع البوب، وظهرت أسماء جديدة دمجت عناصر من الراي مع الموسيقى التقليدية، واستطاعت أن تحافظ على تقدمها مع دخول عصر الإنترنت وأدوات الإنتاج الحديثة. عرفت هذه الفترة دخول طبقة للأوتوتيون حد الإسراف واندماجها مع الجمل اللحنية للراي، ظهرت أسماء جديدة مثل الشابة جناة التي تابعت مسيرة الراي النسوي. كما أعيد تشكيل هوية الأغنية العاطفية مع رضا الطلياني سنة ٢٠٠٥ بأغنية "يا البابور"، و بعدها أغنية "فا بيني" في ٢٠١٣ التي رسخت الشكل الحديث من موسيقى الراي، ومع الشاب عقيل والذي تعتبر تجربته امتدادًا للراي العاطفي مع الشاب حسني، وغيرهم الكثير.
لم تخمد شعلة الراي من يوم إشعالها، وانبثق عن كل عقد أسماء جديدة حملت شعلة التجديد والتطوير دون تعب أو ملل. هذا وعرفت إصدارات الشاب خالد مثيل "سي لا في" طريقها إلى قائمة هوت ١٠٠ حيث تحضر في مرتبة متقدّمة كل أسبوع، كما دخل خالد إلى قائمة ١٠٠ فنان.
عرفت تجربة عقبة جوماطي المزيد من الاندماجات الثقافية المحلية، وهو منتج موسيقي مزج تأثيرات الراي مع الموسيقى الشاوية الجزائرية. بدأ عقبة مسيرته بالإنتاج الموسيقي سنة ٢٠٠٤، استقدم آلات تقليدية مثل البندير والقصبة، وقدّم خلالها إصدارات شاوية بنكهة الراي، وقد سجل حضوره منذ الأسبوع الأول على قائمة ١٠٠ فنان على بيلبورد عربية.
دخلت الشابة شارلومنتي وردة إلى قوائم بيلبورد عربية أيضًا لأسابيع متتالية، خاصة وأنها شاركت بتطوير صوت الراي النسوي. خرج صوتها من وهران وتصدر مختلف منصات السماع في السنوات الأخيرة. عرفت مسيرتها تعاونات مع منتجين وموزعين ساهموا بتطوير صوت الراي، مع الإبقاء على الروح الأصلية. حلت آلات السنث في أغانيها مكان الآلات الموسيقية مع الإبقاء على آلة إيقاعية واحدة هي الدربوكة، بينما غرق صوتها بطبقة كثيفة من الأتوتيون.
كما عرف الجمهور الشاب حميدو بأغنية "من روحتي توحشتك" في ٢٠١٥، فعرفت رحلته الاستمرارية وحقق في السنوات الأخيرة ملايين الاستماعات والمشاهدات. دخل الشاب حميدو إلى قوائم بيلبورد في قائمة ١٠٠ فنان، كما احتلت أغنيته "عشقك إدمان" المرتبة الثامنة والعشرين هذا الأسبوع.
أما الشاب هشام تي جي في فقد سطر دخولًا ناريًا هذا الأسبوع أيضًا في المرتبة الثامنة، بعد إطلاق أغنيته "فاتو ليام". بدأت مسيرة هشام قبل سنتين وقد اشتهر بأغنية "أنا الي درتلك الشان"، وعرف باتباع أسلوب الراي العاطفي حيث حملت كلمات أغانيه ثيمات اللوعة والهجران، بينما غرق صوته بالأوتوتيون لإضفاء طابع شجن في معظم إصداراته.