عودة فضل شاكر إلى الساحة الغنائية كانت ضرباً من ضروب المستحيل. فكيف يمكن لشخص مطلوب للعدالة اللبنانية في قضايا سياسية أثارت الرأي العام أن ينجح في فرض نفسه مرة أخرى من خلال أعمال حصدت ملايين المستمعين؟
لكن هذا هو ما فعله فضل شاكر بالضبط. ففي خلال الشهور القليلة الماضية، قدم عدة أغان شقّت طريقها إلى قوائم بيلبورد عربية، من بينها "أحلى رسمة" التي تصدرت قائمة هوت 100 لأسبوعين متتاليين، وانتهاءً بدويتو "كيفك ع فراقي؟" مع ابنه محمد فضل شاكر.
يمكنك أن تستمع لأي من تلك الأغاني عبر أشهر المنصات في المنطقة والعالم مثل أنغامي وسبوتيفاي دون أن يخطر ببالك أنها قد سجلت في الأغلب في ستوديو منزلي بمخيم عين الحلوة الفلسطيني بجنوب لبنان، حيث يقيم فضل بعيداً عن قبضة السلطات منذ ارتباط اسمه بقضية جماعة متطرفة في لبنان أثناء الثورة السورية.
تعاون معه شعراء وملحنون لم يروا مشكلة في أن تقترن أسماؤهم باسمه المثير للجدل. المطرب والملحن المصري رامي جمال أعرب في لقاء مع بيلبورد عربية عن رغبته في العمل معه، بل إن نجمة بحجم شيرين عبد الوهاب سافرت إلى لبنان لتسجل معه ديو بعنوان "حدوتة" بعد أكثر من 20 عاماً على أغنية جمعتهما سوياً لأول مرة.
حدوتة شيرين عبد الوهاب وفضل شاكر
هنا تصطدم هذه العودة بالواقع. سافرت شيرين عبد الوهاب إلى لبنان للقاء فضل لكنها فشلت لعدة أيام في الحصول على تصريح لدخول عين الحلوة (الأمن اللبناني ينظم الدخول إلى المخيم). تجد تعليقاً من أحد قراء بيلبورد عربية على السوشال ميديا: "فضل شاكر عايش في مخيم؟". تطالعك منشورات لحفلات في البحرين والكويت تحظى بتفاعل من آلاف المستخدمين، قبل أن يتضح سريعاً أنها إعلانات زائفة لأن الرجل لا يستطيع تخطي أسوار المخيم أصلاً فما بالك بمحاولة السفر.
النتيجة أن عودة فضل شاكر الفنية حتى الآن، وإن كانت قد حققت نجاحاً غير متوقع، تبقى غير مكتملة دون حل مشاكله القانونية ومحاولة إثبات براءته من التهم الموجهة إليه. تلك التهم تشمل، بحسب صحيفة الشرق الأوسط "الاشتراك في أعمال جنائية ارتكبها الإرهابيون" وتمويل جماعة متطرفة، وهو ما أدى إلى صدور أحكام حبس غيابية بحقه، علماً أن القضاء العسكري قد برأه بالفعل من تهمة قتل عناصر من الجيش اللبناني.
المؤكد أن الفنان يعي ذلك تماماً، وهو ما دفعه للتأكيد على براءته في أكثر من مناسبة، آخرها من خلال بيان تم تداوله على نطاق واسع يطالب فيه بالتعامل مع ملفه كمواطن عادي وليس قضية سياسية. نجله محمد شاكر، الذي تحول إلى ناطق رسمي باسم والده، لم يترك مناسبة هو الآخر إلا ودافع فيها عنه.
وثائقي "يا غايب"
رغم كل هذه التعقيدات، يصعب تصوّر أن عودة فضل شاكر لفرض اسمه على الساحة الغنائية كانت ممكنة بدون وثائقي "يا غايب" الذي عرضته منصة شاهد في ربيع 2025. منحه الفيلم زخماً لم يكن موجودًا عندما أصدر بعض الأغاني في عام 2018 بعد عودته من الاعتزال. يسلط العمل الضوء على حياة فضل، بدءًا من طفولته الصعبة وصولاً إلى أزمته الشهيرة مع الجماعات المتطرفة.
في أكثر من موضع، شدّد فضل على أن مواقفه كانت إنسانية وليست سياسية، وأن دافعه كان دائمًا التضامن مع الضحايا، لا تبنّيه لأجندة سياسية. لكنه اعترف أيضًا، في أكثر من مقطع، بأن تصريحاته في تلك المرحلة حملت طابعًا خطيرًا أثّر سلبًا على أسرته، وعلى صورته العامة.
كما كان متوقعًا، أثار العرض جدلاً واسعًا بين مؤيديه الذين اعتبروا أن هذه الحكاية قد تكون فرصة لفتح صفحة جديدة، وبين منتقديه الذين اعتبروا أن المعاناة لا تبرر حجم الأخطاء التي ارتكبها لاحقاً.
وماذا بعد؟
رغم أن تعاونه مع نجله محمد في "كيفك ع فراقي؟" دفع البعض للتكهن بأنه قد يكون تمهيداً لترك الساحة، فإن توالي الهيتات وتأكيد فضل على براءته لا يتسق مع هذا التوجه.
مصدر قضائي لبنان بارز قال للشرق الأوسط في وقت سابق من هذا الشهر إن الحل الوحيد هو أن يسلّم فضل شاكر نفسه للقضاء العسكري للبت في قضاياه. وأضاف: "إذا قرر شاكر تسليم نفسه، سقطت فوراً كل الأحكام الغيابية، وعادت محاكمته من نقطة الصفر، وله الحق في تقديم كل الوثائق والشهود التي يعتقد أنها تقود إلى براءته، وعندها يقول القضاء كلمته."
بدون حل قانوني، تبدو عودة فضل شاكر إلى الساحة الفنية مشروطة وملتبسة. فرغم النجاح الذي حققته أغانيه، ورغم تأثر الجمهور والفنانين بقضيته، إلا أن العودة الحقيقية التي يطمح إليها مازالت مؤجلة!