منذ انطلاقته عام 2019، لم يكن موسم الرياض مجرّد حدث ترفيهي ضخم، بل منصة أعادت رسم خريطة العروض الحيّة في المنطقة، ورفعت سقف التوقعات في تنظيم الحفلات الموسيقية على مستوى العالم العربي. فخلال خمس سنوات فقط، تحوّل من تجربة محلية ناشئة إلى مركز ثقل لصناعة الترفيه، يستقطب أكبر الأسماء ويعيد تقديم رموز الموسيقى العربية برؤية عصرية.
تميّز الموسم بجرأته في اختيار حفلات بموضوعات فنية محددة، سواء حفلات التكريم التي وثّقت إرث كبار الملحنين والمطربين، أو ليالٍ احتفالية بذاكرة الغناء العربي، أو عروض أبرز نجوم العقدين الماضيين. وبذلك، لم يكتفِ بإحياء التراث، بل أعاد دمجه في السياق الجماهيري الحديث، مقدّمًا محتوى فنيًا يوازن بين الترفيه والهوية.
في هذه القائمة، نستعرض 7 حفلات مفضلة لدى فريقنا من موسم الرياض عبر 5 سنوات. حفلات شكّلت محطات نوعية في ذاكرة الجمهور العربي، وأسهمت في ترسيخ مكانة المملكة كوجهة إقليمية لفعاليات موسيقية استثنائية، من حيث الإنتاج والتوثيق والقيمة الفنية.
حفل ليالي بيروت
شكّلت حفلة "ليالي بيروت" ضمن موسم الرياض عام 2019 محطة بارزة في المشهد الفني السعودي، إذ جاءت كواحدة من أوائل الحفلات التي رافقت بدايات الانفتاح الثقافي والترفيهي في المملكة. أقيمت الأمسية على مسرح أبو بكر سالم في منطقة البوليفارد، وجمعت أربعة من أبرز نجوم الغناء اللبناني في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، حيث ضم: نجوى كرم وعاصي الحلاني وديانا حداد وملحم زين، في ليلة حملت الكثير من الدلالات الرمزية.
خلال الحفل قدّم كل نجم مجموعة من أغانيه التي أعادت الكثير من الذكريات. وتخلل الحفل لحظات خاصة لم ولن تتكرر، كاجتماع النجوم الأربعة على المسرح سويةً لتقديم أغنية وطنية واحدة.
كما شهد الجمهور لحظة خاصة حين قدّم عاصي الحلاني ابنه الوليد الحلاني للمرة الأولى على المسرح، في مشهد يوحي بانتقال المشعل الفني بين الأجيال. *من اختيارات عمر بقبوق
حفل ليلة الموسيقار صلاح الشرنوبي
في كلمتها خلال "ليلة صلاح الشرنوبي" ضمن موسم الرياض، قالت أصالة إنّ "كل أغنية لصلاح هي حالة بحد ذاتها ولا تشبه الأخرى، وأنه قاد مرحلة فنية كبيرة". تصريحها عكس تقديرها لمسيرة موسيقية امتدت لعقود، ساهم خلالها الشرنوبي في تطوير الأغنية العربية وتقديم ألحان أصبحت جزءاً من ذاكرتها الحديثة. وقد شكّل الحفل مناسبة لتكريمه واستعادة أبرز محطاته الفنية، بمشاركة مجموعة من الفنانين الذين أدّوا أعماله الاستثنائية.
أُقيم الحفل على مسرح أبو بكر سالم وتولّى قيادته المايسترو تامر فيضي بمشاركة أوركسترا موسيقية كبيرة قدّمت أبرز ألحان صلاح الشرنوبي بتوزيعات معاصرة حافظت على طابعها الأصلي. وقد شارك الفنانين مثل وائل جسار وراغب علامة بتقديم مجموعة من الألحان التي قدمها لهم. وفي ختام الأمسية، صعد الموسيقار إلى المسرح لتسلّم درع التكريم وسط تصفيق طويل من الجمهور والفنانين المشاركين.
ورغم غياب بعض الأسماء التي ارتبطت مسيرتها ببصمته، مثل وردة وذكرى، إلا أنّ روح تلك الحقبة حضرت بصوت من أدّوا أعماله. أعادت نانسي عجرم إحياء "جرب نار الغيرة" التي تغنّت بها وردة، فيما استحضرت أسماء لمنور صوت الراحلة ذكرى في "الأسامي". كانت تلك اللحظات بمثابة حوار بين الأجيال، بين من عاش تلك الألحان في زمنها ومن ورثها كجزء من ذاكرة الغناء العربي. * من اختيارت نور عز الدين
حفل روائع بليغ حمدي
من بين حفلات التكريم والاحتفاء التي شهدتها السنوات الأخيرة يبقى حفل روائع بليغ حمدي الذي أُقيم على مسرح أبو بكر سالم ضمن حفلات موسم الرياض عام 2023، الأقرب إلى قلبي والأكثر رسوخًا في ذاكرتي. كان حفلًا استثنائيًا في كل تفاصيله بدءًا من الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو وليد فايد، التي افتتحت الأمسية بعزف نقي ومبهر لأغنية "التوبة" للعندليب، مرورًا بمشاركة كوكبة من النجوم الذين تألقوا في أداء روائع من توقيع بليغ حمدي.
شارك في الحفل كل من أصالة و صابر الرباعي ونانسي عجرم وأنغام ومي فاروق وكورال "روح الشرق" واختتمت الليلة بصوت ماجد المهندس. كل فنان قدم أداء يليق بتاريخ الأغنيات التي ترسخت في وجداننا، وأعادوا إحياء روح بليغ بحب وصدق.
بالنسبة لي يستحق بليغ حمدي أن يُحتفى به كل عام فهو أحد أعمدة الموسيقى العربية الذي رغم عبقريته، عاش محنة قاسية قبيل وفاته جعلته موضع هجوم وجدل لسنوات. والحفل كان أشبه بتحية جماعية لرجل صنع مجدًا فنيًا لا يُنسى. ما زلت أستحضر حتى الآن أداء نانسي المذهل لأغنية "العيون السود" واندماج أصالة المرهف في "الحب كله" وروح أنغام الطربية في "انساك" أما ماجد المهندس فقد تألق في "بعيد عنك". لكن اللحظة التي خطفت قلبي كانت عند أدائه لأغنية "على حسب وداد"، في تلك اللحظة شعرت أن كل شيء كان مثاليا الأداء والتوزيع وروح الأغنية وكأنها ختام شاعري لحفل استمر أكثر من أربع ساعات لكنه مر كلمح البصر. *من اختيارات نورهان أبو زيد
ليلة محمد عبد الوهاب
سمحت هذه الليلة باستعراض أبرز الأصوات الرجالية في العالم العربي، ضمن ما بدا كمبارزة صوتية جبارة. الحفل الممتد لحوالي خمس ساعات لا يلخص أرشيف موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بالطبع، لكنه يمنحنا جرعة مكثّفة عن مدى شمولية أساليبه التلحينية وتنوع تأثيراتها وتوجهاتها.
بالنسية لي شخصيًا، كان سماع صوت عملاق كصوت الفنان نور مهنا ابن مدينتي حلب، مصحوبًا بأوركسترا ضخمة، ليؤدي "مضناك" من روائع موسيقار الأجيال، كانت لحظة تبعث على الفخر. أصوات سورية عملاقة كهذه لطالما بقيت مهمشة ومُبعدة على خلفيات سياسية واجتماعية معقّدة، لكنه حضوره تلك الليلة على مسرح كهذا، بدا تكريمًا لصوته وموهبته.
ثم بين أصوات محمد ثروت وصابر الرباعي وماجد المهندس ونور مهنا، وجدنا أمامنا على المسرح مي فاروق الجبارة، حضورًا وصوتًا، لتضع كل ثقلها على المسرح المثقل بالحضور الرجالي، وبظل موسيقار الأجيال. بين أدائها لـ "أغدًا ألقاك" و"أمل حياتي" تشغل مي حوالي الساعة من مدة الحفل، فتشعرنا كأنها كانت تحلق في أرجاء المكان بصوتها الذي يصعب عليه الهبوط من عليائه. *من اختيارت هلا مصطفى
حفلة" ذكريات مع الموسيقار هاني شنودة"
مثّلت هذه الحفلة دليلًا واضحًا للأجيال الشابة أن هاني شنودة لم يكن مجرد موسيقي، بل أحد أبرز ركائز الصناعة الفنية الحديثة. قاد المايسترو هاني فرحات الأوركسترا التي عزفت مقتطفات من الموسيقى التصويرية لأعمال سينمائية بارزة مثل "الحريف" و"شمس الزناتي" و"الأفوكاتو"، قبل الانتقال إلى استعادة أشهر أغاني مشواره في تفاعل يجمع بين الماضي والحاضر. أدّت مي فاروق "هدى الليل" و"بحلم معاك"، وقدّمت فرقة كايروكي "الشوارع حواديت"، ثم ظهر مصطفى حجاج ليؤدي "زحمة" بمشاركة أحمد عدوية.
وفي فقرة "رفاق الرحلة" التي قدّمها الإعلامي شريف عامر، صعد هاني شنودة إلى المسرح ليشاركه محمد منير أداء "علموني عنيكي" و"أنا بعشق البحر" التي كانت بمشاركة أنغام.
كما شهدت الليلة لحظة لافتة جمعت شنودة بعمرو دياب، الذي تخلى خلالها عن حذره المعتاد في الظهور العام تقديرًا لمكتشفه، وانضم إليهما المخرج خيري بشارة الذي تعاونا معه في فيلم آيس كريم في جليم. في تلك اللحظات تجسّد المسار الفني الممتد من مؤسس فرقة "المصريين" إلى الهضبة أحد أكبر نجوم الساحة العربية اليوم. *من اختيارات يوسف علي
ليلة عراب الطرب
أكثر حفلة من حفلات موسم الرياض لامستني كانت حفلة محمد عبده “ليلة الطرب” التي أقيمت ليلة رأس السنة في 2019.
كشخص تربّى على صوته منذ الصغر، كانت أولى المرات التي أحضر له حفلة مباشرة، التقيت للمرة الأولى مع جزء كبير من ذاكرتي وجهًا لوجه.
غنّى فيها محمد عبده أرشيفًا من أغانيه المفضّلة، مثل "في الجو غيم" و"وين أحب الليلة" التي تعتبران من مفضّلات جمهور الرياض. بجانب "أرفض المسافة" التي كانت من أكثر الأغاني الخليجية المقرّبة لقلبي، واستشعرتها بشكل مختلف تمامًا وقتها.
في منتصف الحفل، وعند تمام الساعة الثانية عشرة، أضاءت الألعاب النارية السماء فوق المسرح، لتحتفل معنا بدخول العام الجديد، وبذكرى لن تُنسى أبدًا. *من اختيارات سارة وائل
ماجد المهندس في حفل روائع بليغ حمدي/ ليلة البرنس والعمالقة
تكررت لحظتي المفضلة في كل مرة صعد فيها ماجد المهندس للغناء في موسم الرياض. يتحرر المهندس على المسرح، يصبح أكثر جرأة في تقديم حركات غنائية غير متوقعة، يلعب مع الموسيقيين تفاريد قديمة مرّن نفسه على أدائها، وحديثة غناها هو أو زملاؤه، يترك نفسه تمامًا بين جمهور الخليج الذي احتضنه منذ زمن.
يتحول الحفل في وجوده على المسرح إلى مكان أكثر هدوءً، يشبهه تمامًا، يغنّي معه الجمهور الذي لا يسمع عنه إلّا على المسرح، بعيد نسبيًا عن الأضواء، والجدالات، وربما أي شيء سوى الوقوف على المسرح، أو داخل ستديو، للغناء. *من اختيارات حسام الخولي






