أقيم حفل عازف الترومبيت العالمي إبراهيم معلوف في مصر يوم 20 ديسمبر، ضمن جولته العالمية احتفالًا بمرور عشر سنوات على ألبومه Kalthoum الصادر عام 2015. ولحسن الحظ اختار معلوف أن يختتم هذه الجولة في مصر، وهو قرار منح الحفل بعدًا عاطفيًا خاصًا بالنسبة لي، فقد كنت أترقبه منذ الإعلان عنه قبل نحو شهرين، لا سيما أنه الحفل الثاني له في مصر بعد حفله الأول عام 2016 الذي لم يحالفني الحظ في حضوره آنذاك.
حفل في توقيت شخصي مثالي
جاء موعد الحفل متزامنًا مع احتفالي بعيد ميلادي ليضيف إلى الأمسية طابعًا شخصيًا مضاعفًا. أُقيم الحفل في مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة وبما أن الجولة مخصصة لألبوم بعينه، كان واضحًا منذ البداية أن الجمهور سيستمع إلى رؤية معلوف الخاصة لأغنية "ألف ليلة وليلة" في مزيج آسر يجمع بين الجاز والسول. صحيح أنني كنت أتمنى سماع مقطوعات أخرى قريبة إلى قلبي مثل “Beirut" و“Maeva in Wonderland" تلك الأعمال التي عرفتني على عالمه الموسيقي، لكن الاحتفاء بأم كلثوم جعل التوقيت مثاليًا بالتزامن مع صدور فيلم "الست" بالإضافة لحبي الشديد لأغنية "ألف ليلة وليلة" التي كتب كلماتها مرسي جميل عزيز ولحنها بليغ حمدي.
وصلت إلى الحفل في الموعد المحدد، وكان التنظيم سلسًا والدخول مريحًا. جلست في المسرح مترقبة صعود إبراهيم وفرقته ليستهل الأمسية بخفة ظل وحديث دافئ عن مصر واشتياقه للقاء جمهورها، معبرًا عن تأثره العميق لتقديم عمل لأم كلثوم على أرض وطنها، ومشيرًا كذلك إلى سعادته بحضور أخيه ووالده الموسيقي اللبناني نسيم معلوف، الذي شكل حضوره لحظة إنسانية خاصة.
نسيم معلوف الأب الذي غير شكل الترومبيت
ونسيم معلوف يُعد من رواد تطوير الترومبيت ليتحول إلى البوق العربي ،فقد درس في كونسرفتوار فرنسا وتلقى تعليمه على يد العازف الفرنسي الكبير موريس أندريه، وكرس سنوات طويلة لتطوير الترومبيت الغربي بإضافة صمام رابع يتيح عزف المقامات العربية، بما فيها الربع تون فاتحًا آفاقًا جديدة أمام الآلة.
درس في القيادة على خشبة المسرح
بعد انتهاء إبراهيم من كلمته انضم أعضاء فرقته المكونة من بيانو وكونترباص ودرامز و ساكسفون وترومبيت، لتنطلق ليلة أيقونية بتناغم لافت ،ومع المقاطع الأولى تحول ترقب الجمهور إلى حماس وتفاعل استثنائيين، بدا إبراهيم سعيدًا على الدوام، بابتسامة هادئة تبعث على الطمأنينة، فيما قدم كل عضو من الفرقة وصلات عزف منفردة بديعة حافظت على روح المقطوعات الأصلية. وحتى في لحظة تقنية حرجة أثناء وصلة الدرامز، حين واجهت الآلة مشكلة وكادت إحدى الطبول أن تسقط، تعامل إبراهيم بهدوء لافت، ساند الآلة بيديه وكأنه يقدم درسًا عمليًا في القيادة: كيف تحمي فريقك وتُنقذ اللحظة بلا توتر. زاد احترام الحضور له حين أشار للجمهور أن يصفق بحرارة لعازف الدرامز تقديرًا لأدائه رغم ما حدث.
وقبيل الوصلة النهائية أوضح إبراهيم أن الأغنية لم تنتهي بعد، وقدم تحية للموسيقار الراحل بليغ حمدي، مؤكدًا أن ألحانه لا تزال مُلهمة لأجيال من الموسيقيين. كان واضحًا شغفه وبهجته أشبه بطفل سعيد بحضور والده، يقدم أفضل ما لديه ليُظهر ثمار التطوير الذي جمعهما حبًا وشغفًا.
ختام مليئ بالمفاجآت
ومع ختام "ألف ليلة وليلة" وقف الجمهور مصفقًا للفرقة كاملة، وقبل الانصراف مازحنا إبراهيم ودعا الجميع للمشاركة في جزء من مقطوعة “Au Revoir" مع همهمات جماعية على اللحن دربنا عليها بسهولة وسط ضحك ومرح. ثم فاجأنا بانضمام مجموعة من طلاب كونسرفتوار مصر إلى المسرح لمشاركته العزف، لحظة تواضع نادرة من فنان عالمي حيث اختار أن يشارك المسرح مع طلاب يتعلمون الترومبيت. حياهم واحدًا واحدًا وكانوا قرابة عشرة طلاب مع أستاذهم، ليختتموا الليلة بتناغم مؤثر مع همهمات الجمهور. ليلة لا تُنسى لم تكن موسيقية فحسب بل مليئة بدروس إنسانية راسخة






