يغمض رشيد طه عينيه ويبتسم على غلاف ألبومه ديوان ١٩٩٨، يرتدي قميصًا أرجوانيًا وكأنه قدم عرضًا جنونيًا قبل التقاط الصورة بثوانٍ قليلة ونسي نفسه معلقًا في الهواء. على عكس إصداراته السابقة، يحتوي الألبوم على قدر أقل من عناصر موسيقى الروك والبانك، خاصةً وأنه يأتي بعد انفصاله بسنوات عن فرقة الروك Carte de Séjour، والتي غنى معها عن الهجرة والظلم والتهميش والشوق للرجوع إلى الوطن.
اختار رشيد طه اسم "ديوان" لهذا الألبوم الملحمي، وكأنه يقدم لنا كتاب شعره الخاص والذي يضمّنه قصائد أحبّها. خاصةً وأنه عاد إلى جذوره في شمال أفريقيا، واستلهم من أغانٍ شعبية من التراث الجزائري ومعزوفات تقليدية، ليحكي عن تاريخ طويل متجذر في موضوعات المنفى والرحيل والشوق إلى الوطن.
يتميز الألبوم أولًا باختيارات رشيد طه التي استعاد من خلالها الموروث الموسيقي لبلاده. يمكننا اعتبار يا رايح التي ترجع بأصولها إلى دحمان الحراشي، مثالًا كلاسيكيًا على الاستعادة المبتكرة لأغنية تقليدية، من مقدمتها الموسيقية التي تبدأ بتقسيم ارتجالي على آلة البانجو بدل العود، إلى صوت رشيد الجاف كالصحراء الذي يحكي عن المهاجرين المثقلين بالشوق إلى الوطن وعن سعيهم المستمر إلى حياة أفضل.
تابعت هذه الاختيارات الثيمة نفسها في الحديث عن الرحيل في أغنية يا المنفي، وهي قصيدة تعود إلى القرن التاسع عشر تروي مأساة المقاومين الجزائريين بعد نفيهم إلى جزيرة بعيدة خلال ثورة المقراني. "قولوا لأمي ما تبكيش" حاكت هذه الكلمات قلوب مئات آلاف المهاجرين الذين شاركوا رشيد هم العيش بعيدًا عن وطنهم.
ولعلّ أبرز ما يميّز الألبوم هما الاحترام والتقدير الكبيرين اللذين أولاهما لجوهر الموسيقى، فحافظ خلال عملية الاستعادة على جمالياتها، مثل مقطوعة بنت الصحراء لـ خليفي أحمد من التراث الصحراوي، ويا بني إنسان وهي أغنية سياسية لفرقة ناس الغيوان، والتي أبقى فيها على الإيقاعات التقليدية المستلهمة من موسيقى الكناوة.
هذا دون أن نغفل تعاون رشيد في الألبوم مع موسيقيين متميزين مثل نبيل الخالدي على العود والبانجو، وعازف الإيقاع حسام رمزي، حيث استطاع بمساعدتهم أن يدمج الألحان التراثية والشرق أوسطية، وأن يبقي على روحية أجواء النوادي الليلية الباريسية في المقطوعات الجديدة التي لحّنها هو، والتي جاءت في سياق تقليدي مشابه مثل إذا وأيا أيا.
جاء ألبوم ديوان أشبه بالموسيقى التصويرية لفيلم عن المنفى، موسيقى مستقاة من الآلات التقليدية والألحان القديمة مع نفحة من البوب المعاصر، حيث تنقل فيه طه من أسلوب إلى آخر بين الراي والكناوة والصحراوي والروك.