مع حلول السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر الحالي، أتمت حفلة 1,2,3 Soleils ذكراها الخامس والعشرين، وما زال الجمهور العربي يحتفي بها، بعد أن حفرت مكانتها في ذاكرة محبي الراي على وجه الخصوص. حلم الشاب خالد طويلًا بتقديم عرض يشبه عرض باري وايت في السبعينيات، فاستمر في مساعي تحويله إلى واقع لسنوات، بعرضه على منتجين مختلفين. لم يتحقق حلم الحفل فحسب، بل تحول إلى ألبوم أيقوني حصد إسطوانتين ذهبيتين، كما حصل الفيديو الخاص بالحفل على شهادة ذهبية من هيئة النشر الفوتوغرافي بفرنسا، وحصل الثلاثي على جائزة وورلد ميوزيك أوورد لعام ٢٠٠٠.
كانت الحفلة قد أثارت ضجة قبل حدوثها حتى، إذ طالتها الكثير من الشائعات سواء حول الأسماء المشاركة، أو كيفية سير العملية التي جمعت أسماء وفرق موسيقية للعزف لم تجتمع في أي محفل عربي موسيقي من قبل، والتي ضمت ثلاث فرق موسيقية، فرقة عازفي باريس الوطنية، ومجموعة الثلاثي البريطاني للآلات النحاسية، والفرقة الماسية المصرية بقيادة المايسترو حسام رمزي. ناهيك عن الأسماء الفردية التي عزفت السولوهات مثل جعفر بن ستي على الترومبيت، وعازف الناي عزيز بن سالم ومجموعة عازفي الكمنجات وراندي جاكوب على الجيتار وزكاري الفورد على الدرامز وآلن هوست على الساكسفون، مع حضور المنتج الموسيقي ستيف هيلاج.
يعود جزء كبير من تناغم عناصر الحفل الغنائية وخروجه بهذا الشكل بشكل أساسي إلى تشكيلة الأسماء المشاركة، ما بين رشيد المائل للجاز ببيرسونا الشاب المهاجر، وفوضيل حيوي الشخصية والذي لم يكن قد تخطى العشرين عامًا، والشاب خالد متربعًا على عرش الراي الجزائري. خلقت تلك التنويعة العديد من الثنائيات الغنائية والسولوهات المتنوعة غير المتوقعة، فلم يكن الحفل لثلاثة فنانين يغنون أغانيهم المتعارف عليها لمدة تقارب الساعتين إلا ثلث، بل يخوضون جولات ونزالات موسيقية حماسية.
ورغم حميمية الحفلة وما تركته من انطباع عند الجمهور بالتلقائية، لكننا نجد بنظرة تفصيلية أن العديد من اللقطات صممت بحرفية شديدة، مثل تغيير رشيد طه لمعطفه على المسرح، أو وقفة الشاب خالد أمام عازف العود والفرقة الأوركسترالية قبل ثوانٍ من أدائهم لمقطوعة منفردة في نهاية أغنية عايشة. حتى التقديم الخاص بفوضيل، والحرص على إدخاله بشكل واضح وصريح في جو الحفل منذ اللحظة الأولى واعادة تقديمه في منتصف الحفل مع أغنيته المنفردة بايدا، والذي أعطى للجمهور إحساس روح الفريق. صنع هذا الاهتمام بالتفاصيل إلى جانب الجودة الصوتية والتنويعات التي مزجت ثقافات موسيقية مختلفة مثل الجاز والراي والسالسا والكلاسيك، قطعة فنية لا نمل من تكرار زيارتها.