تجلت موجة الحنين لأغاني التسعينيات بأبهى صورها في حفل كاسيت التسعينيات، الذي استضافته جدة الشهر الماضي. تدفعنا هذه الموجة للعودة مجددًا إلى المشاريع الموسيقية الأكثر أصالة في تلك المرحلة، التي ازداد تقديرها مع مرور الزمن، إلى جانب التقدير والشعبية التي حصدتها مع صدورها.
تغيرت خارطة الأغنية المصرية في مطلع الثمانينيات، عندما بدأت المشاريع الموسيقية المستقلة والمختلفة تتغلغل في سوق الكاسيت رغم الانتقادات الكبيرة التي ارتبط بها إعلاميًا، تحت غطاء أعلام الموسيقى التقليدية من أمثال محمد الموجي وحلمي بكر. في منتصف التسعينيات، وصلت هذه المشاريع إلى مفترق طرق، ولم يصمد منها سوى الأفضل؛ ليتسيد سوق الكاسيت عام ١٩٩٦ عمرو دياب ومحمد منير ومحمد فؤاد. وفيما كان ألبوم نور العين يُساهم بنقل عمرو دياب إلى العالمية، جاء ألبوم حيران كان يُعزز مكانة محمد فؤاد باعتباره المغني ابن البلد والأقرب للشارع المصري. ساهمت كليبات الألبوم بالتأكيد على ذلك، ففي كليب فاكرك يا ناسيني، نشاهد محمد فؤاد في فضاء واقعي، يسير في الحارات المصرية ويتعامل مع الباعة والمارة بشكل طبيعي. غيّر محمد فؤاد في هذا الكليب بالذات من مفهوم نجم البوب، فهو ليس إلا واحدًا منا، يُشبهنا ويتفاعل مع البيئة الشعبية مثلنا، ولا يُشترط أن يغني اللون الشعبي ليقترب منّا، فهو كذلك بكل الأحوال.
يتكون ألبوم حيران من ثمان أغنيات، تعاون محمد فؤاد في جميعها مع أشرف عبده في التوزيعات، بما في ذلك أغنية أوقات يا دنيا، التي استنسخ لحنها من أغنية Wild World لكات ستيفنز، وكتب كلماتها مصطفى كامل، الذي كتب أيضًا كلمات نصف أغاني الألبوم، في حين كتب كلمات الأغاني المتبقية أيمن قمر وأحمد شتا ومدحت العدل.
يختزل ألبوم حيران جماليات أغاني تلك المرحلة؛ فهي غنية ومشبعة بكلماتها وألحانها. كل أغنية تحتوي على أربعة جمل لحنية مختلفة على الأقل. تتداخل في الجملة الموسيقية الواحدة أصوات الآلات الموسيقية التي تعزف نوتات متباينة لتتناغم مع بعضها وتقدم لحنًا معقدًا يُساهم بشكل فعلي في شرح الحالة العاطفية، التي تستفيض الكلمات بشرحها. ورغم طول مدة غالبية الأغاني لتتجاوز الست دقائق، فلا مجال للملل، إذ تشكّل بتفاصيلها الغنية حكايات وجدانية ممتعة رغم غلبة طابع الحزن عليها. يلوّن محمد فؤاد صوته ليعبّر عنها بأفضل طريقة، ويلجأ في العديد من اللحظات إلى صوت عميق داخلي، يتراوح بين الغناء والهمس؛ صوت يبدو كصوت الراوي الذي يُعلق على بطل الأغنية ويُفسّر الحالة الداخلية التي يصعب التعبير عنها، بذات الطريقة التي تُعلق الكمنجات على باقي الآلات بتقنية الهارموني.