بعمر ثلاثين عامًا فقط، يتربع عايض يوسف اليوم في صدارة مشهد الأغنية الخليجية. المشهد الخاص الذي لطالما انحصر في قامات كبيرة ومسيرتها الطويلة، بات عايض الآن الصوت الشبابي الممثل له.
على قائمة بيلبورد عربية أعلى 50 أغنية خليجي، يحجز عايض 3 من المراكز الخمس الأوائل، وقد احتفظ لنفسه بالصدارة مع أغنيته "لمّاح" طوال 37 أسبوعًا، الأغنية التي توّجت بجائزة بيلبورد عربية للموسيقى عن فئة أفضل أغنية خليجية للعام 2024. وجاء ذلك بعد أن حل عايض ضيفًا على غلاف بيلبورد عربية لشهر سبتمبر من العام نفسه، حيث أخبرنا عبر لقاء مطول أنه لا يعتبر نفسه من المجددين في الأغنية الخليجية، بل أنه يسير على نهج من سبقوه. لكنه يفعل ذلك على طريقته الخاصة، وبأسلوب يشبه جيله وجمهوره الشاب.
يترك عايض للمستمع دومًا سببًا ما لتفضيل أعماله أو الانجذاب لموسيقاه. ينتقي كلمات أغانيه لتغرق دومًا في صور شعرية متباينة، فيجمع بين الحساسية والرقة، وبين القسوة والقوة، وتتمكن شخصيته الفنية من أداء كل هذه الأدوار. أما موسيقيًا فيحافظ على تركيبات لحنية بسيطة، يسهل التقاطها من جمهور أوسع. وضمن فريقنا، يعتبر العديد من كتابنا أنفسهم من جمهور عايض، ولكن كل منهم يفضل أغاني بعينها.
بمناسبة يوم عيد ميلاد عايض، يستغل فريقنا الفرصة ليختاروا ويناقشوا أغانيهم المفضلة مما أصدره عبر السنوات الماضية.
لينا الرواس
اجرح
سمعت عايض يصدح بأغنيته "اجرح" للمرة الأولى وأنا أقود سيارتي على طريق سريع بعد يوم طويل ومشحون. وهذا مشهد ليس غريبًا، فكثيرون يصفونها بأنها "أغنية سيارة"، رفيقة سفر تنتمي لفصل البرد، ولحظات التوهان العاطفي، التي نسير فيها بلا وجهة، نبحث عن دفء أو ربما علامة على حب الحبيب، حتى ولو كانت الجرح نفسه!
ربما ساهمت اللحظة في تأثري بالأغنية، لكن ما أحببته أكثر هو محبة الناس لها. إذا مررت على تعليقات منصات الاستماع، ستلمس بنفسك حجم الارتباط العاطفي الذي صنعته الأغنية، وكأنها محاولة جماعية لإضفاء الشرعية على مشاعر لم نفهمها بعد.
بصوته الدافئ، يطلب عايض من الحبيب أن يجرحه، لا لشيء، سوى أن يبقى الألم شاهدًا على الحب: "يا حلو جروحك ولا باس!"، كلمات تجعلنا نعيد التفكير في معنى التضحية والانكسار أمام من نحب. هي نافذة لنتنفس منها أحزاننا أيضًا، خاصة في الأيام الثقيلة.
نورهان أبو زيد
لا حول ولا قوة
من بين جميع المحطات التي قادتني لاكتشاف عايض، تظل أغنية "لا حول ولا قوة" الصادرة عام 2021، لحظة خاصة في ذاكرتي الفنية. فمنذ الاستماع الأول علقت الأغنية في ذهني، وأصبحت أرددها مرارًا دون أن أفقد شغفي بها. لفتني حينها صوت عايض الحنون والنص الشعري الذي يتطرق إلى عدة جوانب في تجربة حب مؤلمة انتهت باللامبالاة وتسليمه بالأمر الواقع. وقد كتب كلمات الأغنية ود ولحنها راكان.
ورغم أن عايض كان قد قدم قبلها عشرات الأغنيات المنفردة، فإن لهذه الأغنية وقعا مختلفا في قلبي، ربما لأن التوزيع حمل لمسة مألوفة زادت من قربها، خاصة بوجود مجموعة من العازفين المصريين الذين أضفوا على العمل طابعًا قرّبني من الأغنية أكثر، مثل عازف الناي أحمد خيري وعازف الجيتار روكيت وعازف الكمان محمود سرور.
أما المقطع الذي ظل محفورًا في وجداني فهو: "ما عاد بتكلم لو كنت أتألم / واللي سهر للشوق بطفي أنا ضوه".
لماح
جاء النجاح المدوي لأغنية "لماح" كحصاد مستحق لمسيرة عايض الفنية، وكأنها تتويج لتعبه وجهده خلال السنوات الماضية. ففي هذه الأغنية بدا واضحًا كم أن موهبته استثنائية، صوت قادر على تجسيد مشاعر التردد والارتباك بصوت دافئ يلامس القلب. كيف لا أقع في غرام أغنية تبدأ بسؤال استنكاري و مُربك مثل "كيف أبين لك شعوري دون ما أحكي؟" فالجملة وحدها تكفي لتأسر المتسمع.
"لماح" في رأيي عمل متكامل، من موسيقى آسرة إلى نص شعري عذب وأداء يغلفه الصدق. وليس غريبًا أن تجد صداها على مختلف المنصات حتى على التيك توك، حيث تفاعل معها الجمهور بشكل كبير.
عمر بقبوق
تخيل لو
أحيانًا تؤثر قوائم بيلبورد عربية على خياراتنا، إذ توجهنا لنسمع أغاني قد لا ننتبه لها منذ البادية. فحين استمعت لأول مرة إلى ألبوم عايض الجديد "عايض 2025"، أكثر ما أعجبني هما أغنيتي "طلعت أبيه" و"أعتذر وأجيك". لكن بعد أن تصدرت أغنية "تخيل لو" قائمة أعلى 50 أغنية خليجي في الأسبوع التالي، وحجزت مركزًا متقدمًا على قائمة هوت 100، استمعت إليها مجددًا. ومع كل مرة أسمعها، بدأ تأثيرها يتعمق، وأصبحت أغنيتي المفضلة في ألبومه الأخير.
الأغنية من كلمات يزيد بن خالد وألحان راكان وتوزيع عمر الصباغ. وابتداء الأغنية بـ"لو" السحرية التي تفترض ظرفًا لم يُعش، يفتح باب الخيال والتساؤلات: الخيال، هل كان من الممكن أن تكون الحياة أفضل لو أن الأمور سارت بطريقة أخرى؟ وكيف يبقى الإنسان أحيانًا أسيرًا للحظات عاشها في الماضي؟ وتحت مظلة من الألم والتعب، يعبّر عايض عن خيبة الأمل التي يشعر بها، في أغنية رومانسية تتحدث عن الفقد والحنين لشخص ما زال عالقًا في طيف في خياله، لا يستطيع أن ينساه، رغم محاولاته المستمرة.
تجيني
صدرت أغنية "تجيني" لعايض في خريف 2022 ضمن ألبومه "كل الخطا"، وجاءت بالتعاون مع عبدالله الوعلان كلامًا، ومع عبدالعزيز المعنى لحنًا، وخالد عز بالتوزيع الموسيقي.
سحر الأغنية يبدأ مع لحظاتها الأولى، حين يقطع عايض بغنائه "تجيني يختلف حالي" المقدمة الموسيقية القصيرة التي تبدو تائهة بين مشاعر الحب والحزن والخوف والقلق. يضغط الأداء العاطفي الشجي على وتر لحظة الفرح الاستثنائي الذي يتدفق عند العاشق دفعةً واحدة، في لحظة الالتقاء بحبيبته، ويترك سلاسل الحزن التي تطوقه تتساقط تباعًا.