لم يتوقع جواد العلي أن المقاطع التي سجلها بصوته عبر جهاز كاسيت منزلي ستكون سببًا في دخوله عالم الغناء من أوسع أبوابه ليصبح واحدًا من نجوم الأغنية الخليجية في نهاية التسعينيات ومطلع الألفية.
بدايات جواد العلي كانت أشبه بفيلم سينمائي مليء بالمفاجآت، فبعد انتهائه من المرحلة الثانوية فكر في السفر إلى مصر للدراسة الجامعية، إلا أن عائلته رفضت خوفًا من أن يدرس الموسيقى، واختاروا له دراسة الطب في الهند، وبالفعل سافر إلى هناك مع مجموعة من أصدقائه، لكنه فوجيء أن مدة الدراسة ستصل إلى تسع سنوات كاملة، فغير مساره واتجه إلى باكستان ليدرس هندسة الكهرباء.
في تلك الفترة كان جواد يجرب صوته عبر تسجيل مقاطع من أغاني شهيرة على شرائط كاسيت بالمنزل. التقط شقيقه الأكبر شريطًا سجل عليه جواد أغنية "صبري عليك طال" لرجاء بلمليح، وعرضه على صديق له يعمل مذيعًا في الإذاعة السعودية. أعجب المذيع بصوت جواد وطلب منه أن يحضر جلسة تجمعه ببعض الملحنين في أحد ستوديوهات الرياض، وهناك أعجبوا بصوته وهو يغني لعبد المجيد عبدالله وقرروا تقديمه لعلي سعد المدير التنفيذي لشركة "الأوتار الذهبية"، الذي تحمس بدوره لانتاج أول ألبوم لجواد العلي عام 1998 بعنوان "ليه ما أحسده".
عودة جواد من باكستان إلى عالم النجومية
سيناريو قدري قال عنه جواد في لقاء سابق مع برنامج "ياعمري" بتلفزيون المستقبل: " كنت أسجل الأغاني في الإجازات وأرجع لباكستان لأجل استكمال الدراسة. لين رجعت الرياض فمرة ونزلت من الطيارة لاقيت الناس يعرفوني ويسلمون عليّ في المطار. صرت مشهور بعد ما نزل الألبوم قبل شهر".
لم يخطط جواد العلي لهذه الإنطلاقة السريعة رغم حبه للموسيقي، بل فوجيء أن شركة الأوتار الذهبية تطالبه بتسجيل ألبومه الثاني، الذي صدر عام 1999 بعنوان "لا كذا عاجب"، وهو ألبوم تم تسجيله بطريقة الجلسات الخليجية، لكنه جواد أدخل عليه آلات مثل الجيتار والبزق. وبدأ الجمهور يعرف جواد بصوته الناعم الذي كان مختلفًا تمامًا عن الصورة المعتادة لمطربي الخليج.
هذه المرحلة شهدت ألبومًا ثالثًا في عام 2000 مع نفس الشركة بعنوان "المعروف" وشهد تنوعًا في الألوان الموسيقية التي يقدمها جواد، خاصة أنه تعاون مع الموزع الموسيقي الشهير حميد الشاعري لأول مرة في أغنية "هذا وأنا الغالي".
وضعت شركة روتانا اسم جواد العلي على رادارها، وتعاقدت معه في عام 2001 لتشهد مسيرته نقلة فنية أكبر وأهم في ألبوم "أحبك" الذي ضم 12 أغنية، لحَّن منها جواد4 أغنيات، وتعاون لأول مرة مع الموزع التركي كرم أوكتان وهو ما عكس الثراء الإنتاجي الذي وفرته له روتانا، وهو ما ظهر أيضًا في ألبوم "وجه الخير" الذي صدر في العام التالي.
جواد العلي والانفتاح على الثقافات الأخرى
إلا أن الإنطلاقة الكبرى والأهم في مسيرة جواد العلي جاءت في ثالث ألبوماته مع روتانا، الذي صدر عام 2003 وحمل اسم أغنية "يجيلك يوم"؛ الأغنية الأيقونية والأنجح في مسيرته، والتي شاركه فيها المطرب الإيراني سامان وتغنيا فيها بثلاث لغات هي العربية والفارسية والتركية، ليكشف جواد عن ثقافة لغوية نشأت من دراسته في باكستان ورحلاته المستمرة لتركيا وآسيا.
وضح في هذا الألبوم تأثر جواد بالثقافات الموسيقية المتعددة ومحاولاته لمزجها بالموسيقى الخليجية، ولم يكتف بدويتو واحد بل قدم عدة دويتوهات تعبر عن ثقافات مختلفة ، مثل "علا إيش يا غزالي" مع الفنانة المغربية لطيفة رأفت، و "بوم شيكا بوم" مع الفنانة التركية نانو، و أغنية "مراكش" مع الفنان الفرنسي زاكي.
يُحسب لجواد العلي أنه من أوائل المطربين الخليجيين الذين اهتموا بتقديم دويتوهات بلغات أخرى غير العربية وخصوصًا التركية، فقدم دويتو مهم مع المطربة التركية "حزن" بعنوان "اسأليني"، ولاقت الأغنية نجاحًا كبيرًا، وكأنها تحرر الأغنية الخليجية من بعض القيود القديمة وتخرج بها إلى رحاب الثقافات الأخرى.
لا شك أن هذه المرحلة كانت قمة توهج جواد العلي بالتزامن مع تركيزه الشديد على تصوير فيديو كليبات بتقنيات متطورة وصورة سينمائية مع مخرجين أتراك. يكفي أن نحصي عدد الكليبات التي صورها خلال مسيرته فنجدها تجاوزت الـ 30 كليب.
في نفس الوقت شهدت علاقته بشركة روتانا استقرارًا واضحًا وتعاونًا متبادلًا، فانتجت له خمس ألبومات في الفترة بين عامي 2005 و 2009 هي "حبيتك"، "حبيب العمر"، "في هذا الزمان"، "عاشق" و"أمر الحب"، الذي كان آخر ألبوماته قبل فترة توقف طويلة بسبب مرض والده ثم رحيله.
مرحلة قال عنها جواد العلي في تصريحات صحفية وإعلامية سابقة إنه كان أمام خيارين: إما أن يكون ابنًا بارًا أو فنانًا، فاختار الحضور كابن والغياب كفنان من منطلق واجبه تجاه والده.
الاختيار الصعب : أن تكون ابنا بارًا
رغم أن مرض والده ورحيله لم يستغرق أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن الاكتئاب حاصر جواد لفترة، فاختار التفرغ لعائلته وبعض الأعمال الخاصة، حتى قرر استعادة نشاطه الفني وأصدر ألبومًا من إنتاجه عام 2014 بعنوان "أخيرًا" ولم يجد دعمًا تسويقيًا جيدًا. وفي عام 2016 أطلق ألبومًا صغيرًا من 6 أغنيات فقط بعنوان "متى تشتاق" من إنتاج روتانا، التي دعمته بقوة هذه المرة، لكنه لم يحقق النجاح المأمول جماهيريًا.
توقفت مسيرة جواد العلي مجددًا، وابتعد عن الساحة حتى عام 2023 عندما بدأ ينشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي في بث مباشر بصورة دورية مع جمهوره، وفي العام الماضي دعته هيئة الترفيه بالمملكة لإحياء حفل كبير ضمن فاعليات موسم الرياض.
منح الجمهور جرعة أمل كبيرة لجواد، واستقبلوه بحفاوة بالغة جعلته متحمسًا لعودة قوية بألبومات جديدة، كما يستعد خلال أيام للمشاركة في حفل "منوعات كاسيت 90 " في جدة باعتباره واحد من نجوم تلك المرحلة.