هل كانت مجرد صدفة أن تظهر المفردة ضمن كلمات أغنيتين بارزتين في النصف الأول من العام الجاري؟
فجأة، عادت كلمة "سكابا" لتتردد على أسماع عشاق أغاني البوب الشامية. إذ ظهرت في اثنتين من أبرز هيتات النصف الأول من العام؛ الأولى أغنية "سكابا" للأخرس، التي احتفت بالكلمة حتى أنها اختارتها عنوانًا لها، والتي تتصدر قائمة أعلى 50 أغنية إندي وتحتل المرتبة الرابعة على قائمة بيلبورد هوت 100، والثانية أغنية "خطية" لبيسان إسماعيل وفؤاد جنيد، التي تصدرت قائمة بيلبورد هوت 100 للأسبوع الثالث تواليًا.
تبدو المفردة الغريبة على سماعات المستمعين، إذ لم تتمكن من تحديدها بدقة، لكنها تعرف مع ذلك أنها مشحونة بالشجن، الجلوس تحيه فوراً إلى الذاكرة الشعبية الجمعية، وتشهد بواحدة من أبرز الأغاني الفلكلورية الشامية: "سكابا يا دموع العين".
يقول ويجولس في لازمة أغنيته: "وعفراق الغالي عيني سكابا يا دموع سكابا/ ملعون اللي قال الدنيا ماهي صعبة وغرّابة". أما في "خطية" لبيسان إسماعيل وفؤاد جديد، فترد الكلمة بختام الفصل الأول، كتتويج لحالة الحزن التي ترسم العزلة: "وسكابا يا دموعي ع غيابه سكابا/ وغيابا طفى شموعي وتعبني غيابا".
"سكابا": كلمة غريبة في الله الشامية
كلمة غريبة عن قاموس الله الشامية، فهي ليست شائعة في مفردات الحياة اليومية في بلا الشام أو مدنها، بل يكاد حضورها على الفيروسات التي تحمل طابعاً عاطفياً قوياً.
وتعود هذه الكلمة بشكل أساسي إلى التراث الشهير "سكابا يا دموع العين"، والتي تعتبر واحدة من أبرز الأغاني الفلكلورية الشامية وأكثرها شجنًا. ولاحظ في تلك الأغنية أنها لونت أحرف لتعديل النطق بما في ذلك الكلمات التي تمكنها مع الإيقاع. تعديل فنسمع فيها كلمة "الحدابا"، وهي لكلمة "حدا" بإضافة الباء والألف لمناسبة الون والقافية. في حين أن الكلمة الأكثر غرابة في الأغنية هي "سكابا"، والتي ربما تتحمل المسؤولية عن "سكب"، لتصبح أشبه بصيغة تدريجية لسكب الدموع.
النسخة التراثية: "سكابا يا دموع العين"
الأغنية تُنسب إلى الفلكلور السوري، وهي من أغاني الأحزان التقليدية التي تُغنى في مناسبات الفقد. لكن قصة الأغنية ليست معروفة على وجه الدقة. لا أستطيع أن أقول أغنية ريفية أو بدوية الأصلية، يبكي فيها الشاعر أحبابه. ربما، ربما ارتبطت أيضًا بفترة من الحروب والمجاعات في أواخر العهد العثماني. بينما أخذ بعض الأشخاص إلى درجاتها تتغنى بقص حب من قصص الأساطير الشعبية.
وبخلاف الماضي البعيد غير الموثّق، فالأغنية الحالية بكثافة في تاريخ المسجّل، إذ ظهرت عدة منها على امتداد القرن العشرين، أبرزها تلك التي قدمتها صباح فخري، بالإضافة إلى النسخة التي طبعتها خلال الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، والتي استعادت الأغنية من التراث عن حالة الحداد العامة في البلاد.
لذلك "لتحديث" استخدام مفردات من التراث بإبراء عن نزع الجيل الجديد من نجوم الباب الشامي بسبب توقفهم واستيعاب التراث في أغانيهم؛ ليس فقط إعادة توزيع أغنيات الفلكلور، بل أيضًا الغوص في كلماته التي بحثت فيها عن مفردات وآلاف حديثة قديمة يمكن استخدامها في المساهمة معانٍ قد تعجز المفردات أو المكررة في التعبير عنها بالدقة الضرورية.