13 أغنية أيقونية للراحل محمد رحيم غيرت موسيقى البوب العربية

يصعب تمامًا حصر الإنتاج الفني الذي قدّمه الفنان محمد رحيم قبل أن يرحل مبكّرًا ويتركنا، كأنه أوجز إنتاج عشرات السنوات توقع غيابه فيها. بدأ مسيرته مع عمرو دياب، قطع من خلالها مسافات طويلة من محاولات إثبات الذات، وسريعًا ما ذهب نحو تشكيل ذائقة موسيقية تشببه، طوّع فيها بعض الأصوات ليقدم من خلالها شكلًا نال اختفاءً نقديًا وجماهيريًا. اليوم نحاول تذكّره ببعض ألحانه وأغنيانه. قليلٌ من عمله الكثير أو مثلما نقول غيضٌ من فيض إنتاجه المذهل. 13 أغنية تبقى حاضرة في أذهاننا

تُعد أغنية "أنت عارف ليه" واحدة من أبرز محطات روبي الفنية، ورغم السنوات التي مرت على صدورها ما زالت حاضرة في ذاكرة المستمع. كتب الكلمات خالد منير ولحّنها محمد رحيم، الذي قدّم لروبي عملًا يشبه بداية مشرقة أكثر منه مجرد أغنية. صحيح أن كليب الأغنية أثار الكثير من الجدل عند طرحه في مطلع الألفية، وظل حديثًا للجمهور خلال فترة، لكن مع هدوء الضجيج انكشفت قيمة العمل وفرادته. هناك خفة في اللحن وانسيابية واضحة في الجمل الموسيقية، كأن رحيم ينسج اللحن على مقاس صوتها تمامًا ليصنع لحضورها الأول إطلالة يصعب نسيانها.

مع أن محمد رحيم قدّم عبر مسيرته ألحانًا بألوانًا متنوعة، تظل "أنت عارف ليه" واحدة من أجمل أعماله وأكثرها رسوخًا في الذاكرة. تلك الأغنية التي تُسمع فتلتصق بنا بسهولة، وتمر السنوات دون أن تفقد بريقها. *من اختيارات نورهان أبو زيد

تأتي "الوتر الحساس" كواحدة من أجمل أغنيات ألبوم "نساي" بلا منازع. كتب كلماتها سعود الشربتلي ولحنها محمد رحيم الذي لطالما جمعته بشيرين أعمال تركت بصمة واضحة من بينها "صبري قليل" و"مشاعر" التي أصبحت أيقونة في تترات الدراما المصرية. ومع الوتر الحساس بدا كأن هذا التعاون بلغ ذروته، فأداء شيرين جاء عفويًا مشبعًا بالإحساس، وهي تحكي عن حبيبها وكأنها تروي تفاصيل قصة غارقة في الشغف حب يضيء عالمها ويملأ أيامها بالبهجة.

رحيم بدوره قدم لحنًا يبرز مواطن قوة صاحبة الصوت الذي بين يديه جيدًا، لحنا لا يصلح إلا لشيرين بانسيابية جُمله وبالحُليات الموسيقية التي زين بها البداية لتقع الأغنية في القلب منذ اللحظة الأولى. من يستمع يدرك بسهولة توقيع رحيم عليها ذلك الطابع الذي يجعلك تعرف هوية الملحن حتى قبل ظهور اسمه. بالنسبة لي "الوتر الحساس" ليست مجرد أغنية ناجحة ضمن الألبوم بل قطعة موسيقية تصنع حالة وتبقى، تنجح في خطف القلب في المرة الأولى وتُعيدك إليها في كل مرة. *من اختيارات نورهان أبو زيد

عبّرت هذه الأغنية تمامًا عن مسلسل "حكاية حياة". مثّلت لقاءً ذكيًا بين ألحان رحيم المليئة بالشجن سواء كانت سعيدة أو حزينة تحمل قدرًا من الحنين المجهول. وزّع الأغنية عادل حقي قليل التواجد في الأعمال الدرامية لكنه مثالي في هذه الحالة، كما كانت واحدة من آخر الأعمال التي كتبها عبد الرحمن الأبنودي. هذا اللقاء المثالي بين الثلاثة كان صالحًا لخلق حالة حزن لم تأت بعد. استدعاء حذر للحزن من الطقس، من قدوم الليل تحديدًا. 

"الغروب" هنا وقت مستقطع بين النهار المزدحم الذي يمكن تناسي الأشياء فيه، والليل الذي يصمت فيه كل شيء وتظهر الحقيقة. وبالنسبة إلى قصة مسلسل بطلته حياة سيدة مصابة بالانفصام، لكنها تشعر وحدها بالظلم من عائلتها فإنه الأغنية تعبّر عنها ببراعة. موسيقى تتأرجح من اليسار لليسار ينهيها رحيم بـ"آهه" مرهقة. لحنًا مثاليًا بالطبع لكن أكثر من اللحن هو صوت رحيم الناعم. *من اختيارات حسام الخولي

صدرت الأغنية ضمن ألبوم "كان زمان" عام 2006، حققت انتشارًا لافتًا عبر قناة ميلودي خاصة بعد عرض الفيديو كليب. جذب لحنها الجمهور بسرعة، وقدّم بهاء سلطان هذا اللحن بصوت يحمل تدرّجًا واضحًا بين الدفء والوجع. جمعت الموسيقى بين روح الشعبي المصري والحسّ العاطفي، فخلقت حالة شعورية سهلة التعلّق.

قدّمت الكلمات حالة اشتياق واضحة، وتناولت الوحدة والرغبة في القرب والاحتواء بصياغة مباشرة تصل بسهولة إلى المستمع. وصفت حال شاب موجوع يبحث عن من يسمعه ويقف قربه.

ومع مرور الوقت، تحولت الأغنية إلى مرجع من أغاني تلك المرحلة، واستمر الجمهور في استعادتها في لحظات الحنين والذكريات، مما رسّخ مكانتها في الذاكرة وفي مشهد البوب المصري. * من اختيارات نور عز الدين

تعاونات رحيم مع نانسي عجرم المتنوعة، خلقت بعض السحر. تجلى هذا التعاون في أغانٍ متعددة، نذكر منها ثلاثة أعمال بارزة أظهرت التنوع في قدراتهما المشتركة: أغنية "الدنيا حلوة" التي لم تكن مجرد عمل غنائي ناجح، بل كانت بمثابة طاقة نور تفاؤلية. تميز اللحن الذي صاغه رحيم بالبساطة المبهجة والإيقاع الحيوي، والذي ترجمته نانسي بأدائها العفوي والمفعم بالحياة. رسخت هذه الأغنية أسلوب نانسي في تقديم الأعمال الخفيفة والمؤثرة في آن واحد، وأصبحت أغنية أساسية في الذاكرة الجمعية. *من اختيارات دوللي عاصي

أغنية "في حاجات" التي أظهرت جانبًا دراميًا وعميقًا للثنائي. إذ استطاع رحيم أن يترجم ببراعة الإحساس الصعب الكامن في الكلمات، مقدماً لحناً شجيًا يلامس أوتار القلوب التي تعاني بصمت. نانسي قدمت أداءً ناضجاً ومؤثراً للغاية، مما جعل "في حاجات" واحدة من كلاسيكيات الأغنية العاطفية الحديثة التي لا تزال تصدح في الذاكرة الجمعية حتى اليوم. * من اختيارات دوللي عاصي

وأخيرًا أغنية "أنا ليه" التي جاءت لتكمّل هذا المشوار الناجح، مقدمةً لمسة رومانسية هادئة وحالمة. تميز اللحن بالرقة والعمق، مما أظهر قدرة رحيم على تقديم تنويعات لحنية تبرز خفة نانسي وحضورها الطاغي، حتى في الأغاني الهادئة التي تحمل طابع التساؤل العاطفي. بصمة محمد رحيم في أعمال نانسي عجرم هي دليل على أن النجاح الفني الحقيقي يكمن في الانسجام والتفاهم المشترك لخلق فن يعيش طويلاً ويتجاوز حدود الزمان والمكان.  * من اختيارات دولي عاصي

بدأ محمد رحيم مسيرته من القمة بتعاون لا ينسى مع واحد من أكبر نجوم الساحة وقتها، وحتى الأن: عمرو دياب. لحّن رحيم أغنية وغلاوتك كان لا يزال في الـ 18 من عمره، طالبًا في كلية التربية الموسيقية. بالرغم من بساطة اللحن والكلمات إلا أن الجانب الحالم من الأغنية تسبّب في نجاحها الكبير، ومن الطرائف المرتبطة بأغنية وغلاوتك أن عمرو دياب كان قد أجرى مقابلة قالت فيها إحدى المعجبات عن إذا ما كان هناك سببًا يدفع الناس للاستماع إلى أغانيه بعد 20 عامًا من إطلاقها. أجاب وقتها الهضبة أنه لا يدري فالأمر في علم الغيب، اليوم بعد صدور ألبوم عودوني منذ 1998 عادت الأغنية في 2025 لتحتل مكان على قائمة هوت 100 من بيلبورد عربية ضمن أفضل 100 أغنية عربية في العالم. * من اختيارات محمود عرابي

استطاع رحيم أن يتعامل بدقة شديدة مع شخصية اليسا الفنية في مرحلة مبكرة من نجوميتها، صانعًا لها لحنًا يحتوي الإنفعالات التي قدمتها في الأغنية. فهو يبدأ من منطقة هادئة معطيًا المساحة لمراكمة المشاعر، قبل أن يتصاعد مرة واحدة معبرًا عن مدى التعلق بالحبيب. هذا النمط تقاطع مع كلمات الأغنية التي كتبها محمد رفاعي المعبرة بوضوح وقوة عن الحب دون مواربة أو فلاتر. صانعًا أحد هيتات إليسا التي لا تزال حاضرة في ذاكرة البوب العربي حتى الآن. والأغنية صدرت ضمن ألبوم "عايشالك" في عام 2002، ومن توزيع جان ماري رياشي. * من اختيارات يوسف علي

طوال مسيرتها، ورغم تنوعها، وتصدرها المستمر للمشهد الموسيقي كلما قدمت إصدارًا جديدًا، لم تقدم شيرين عبد الوهاب أغنية بحيوية "صبري قليل". عكس اللحن روحها المنطلقة الجريئة، جامعًا بين البوب والموسيقى الشعبية، ليترك بصمة خاصة في الانتقال الأخير الذي يبرع فيه الموزعان هاني محروس ونادر حمدي في توظيف الناي مع التصفيقات. تمازجت الحالة التي قدمتها الموسيقى مع كلمات إكرام العاصي التي حملت روحًا مرحة تعبر عن الضيق والسخط من ميوعة موقف الحبيب المتخاذل. تعد "صبري قليل" الصادرة في عام 2004 ضمن ألبوم جرح تاني (2004)، الأقدم بين الأغنيات التي تواجدت  بقائمة بيلبورد عربية هوت 100 منذ إطلاقها، وقد مكثت لمدة 18 أسبوعًا بالمراتب العشرة الأولى. * من اختيارات يوسف علي

تضع تلك الأغنية نفسها في أي قائمة يمكن صنعها لأفضل أغاني البوب لهذا القرن في المراتب العشرة الأولى دون عناء أو جدال حول قيمتها، ليس فقط لأنها لعمرو دياب، أبرز إسم في صناعة الموسيقى في الربع قرن الماضي. ولكن للحن والتوزيع الذي جمع حينها بين الروح الشرقية والغربية الراقصة في مقطع موسيقي واحد، كأول أغنية هاوس بوب بالمنطقة. أنجز المهمة كلًا من محمد رحيم وطارق مدكور، محددين للتوقيتات المثالية المضبوطة لكل إيقاع، فبينما تسود معظم الأغنية روح الهاوس، تأتي الوصلة الشرقية المعتمدة على الكمان والطبلة كآلة أساسية في موضع محوري قلب طابعها للوجهة الشرقية. بصمة مميزة فتحت مساحة لأمزجة قريبة من هذا المزيج بعد ذلك، خاصة مع مقطع الهيب هوب الشهير بنهاية الأغنية. *من اختيارات يوسف علي

رغم أن مهمة الملحن لا ترتبط بالكلمات أو لهجتها، لكننا نادرًا ما نرى ملحنًا من مشهد أو لهجة ما يلحن لمشهد أو لهجة أخرى. ولربما كانت الصداقة والتفاهم الفني هي ما دفعت إليسا للتعاون مع محمد رحيم لتلحين هذه الأغنية باللهجة اللبنانية ومن كلمات الشاعرة سهام الشعشاع، لكنها بلا شك تجربة أضافت لمسيرته كما أضافت لمسيرة إليسا، وأظهرت مدى مرونته وقدرته على التلون والإبداع ضمن مدارس مختلفة. الأغنية تشبه شخصية إليسا بكافة عناصرها: بكلماتها و طرحها الجريء حيث تبرر الفتاة هذه المرة حياء حبيبها وعدم قدرته على التعبير: "يا ريت لو بطفي القمر تيحكي العتمة"، واللحن كذلك يُظهر خبرة كبيرة بصوت إليسا فيظهر أفضل ما في أدائها في طبقتين صوتيتين مختلفتين. *من اختيارات هلا مصطفى 

من أجمل أغاني ألبوم "علّم قلبي"، الذي ما زال بالنسبة لي من أجمل ألبومات البوب العربي في بداية الالفية وأكثرها تكاملًا في بداية الألفية. "لو عشقاني" تحديدًا مثال مصغر عن كم هائل من الأعمال التي قدمها عمرو دياب، وعرف عبرها ومع صناعها كيف يقدّم أغاني شديدة الحيوية والجاذبية، بأسلوب شرقي، وبتطعيمات من جمل يؤدي فيها عمرو بشيء من الطرب والسلطنة الدافئة. أغنية لا تُختصر بحقبة صدورها، تُسمع في كل زمان ومكان دون رادع، وتصمد ضد عامل الزمن. *من اختيارات هلا مصطفى