كان التحدي الأصعب على الكتاب ضمن فريقنا أن نطلب منهم الصعب اختيار أغنية واحدة لعبد الحليم حافظ ليكتبوا عنها.
كل أغنية للعندليب عبر مسيرته كانت فصلًا مختلفًا من رواية طويلة كتبها بصوته. ومع كل استماع، نكتشف أن العندليب لم يكن مجرد صوت من زمن جميل، بل تجربة شعورية كاملة، تعيش وتتنفس وتكبر معنا، فلا نمل منها.
في ذكرى ميلاده، اختار فريق بيلبورد عربية أن يعود إلى أرشيف عبد الحليم حافظ، لا بقائمة "الأفضل"، بل برحلة شخصية عبر الأغاني التي تركت فينا أثرًا خاصًا.
هلا مصطفى
نبتدي منين الحكاية
ليست فقط أغنيتي المفضلة لحليم، بل هي بالنسبة لي لحني المفضل بين ألحان محمد عبد الوهاب، أشعر فيه أن موسيقار الأجيال خلع عن نفسه وقاره المعتاد، وكلاسيكيته، وتأثره بالمدارس الغربية الغالب على أسلوبه في كثير من الأحيان، وفكّر خارج إطار اللحن المثالي: كيف يصنع لحنًا لهذه الكلمات تحديدًا؟
وأي كلمات! يروي لما محمد حمزة حكاية عن العشاق الغير مثاليين، ورحلتهم المليئة بالهفوات.. ثم يقول لنا: "لكن مشينا وكملنا مشوار الحب.. ووصلنا". أعتقد أنه في هذه الجملة ما يلخص كل فلسفتي عن الحب. الحب غير الوردي كما تصوره الأفلام، حيث لكل إنسان شريك مثالي سينقذه ويجعل حياته مثالية إلى الأبد. هو يتحدث عن الحب الذي نعمل ونبذل الجهد ليستمر وتستمر معه الشراكة. ولما كانت العذابات حتمية، والخوف والشك أمرًا محتوم، يخبرنا الشاعر أن شكل حياتنا العاطفية هو سلسلة خيارات نملكها بين أيدينا، فيغني لنا حليم: "تعالى نقـول لغيرنا أنا وإنت ازاي قدرنا".
عمر بقبوق
سواح
تستحضر "سواح" ذلك الإحساس الذي يرافقنا في لحظات الوحدة العميقة، حين نعيش بين الحلم والواقع، بين الحاضر والماضي. إنها رحلة قلبية قبل أن تكون جسدية، حيث تلتقي الخطوات الضائعة بأحلام لم تتحقق بعد. وبينما يسير العندليب بصوته في طرقات مظلمة، تصبح كل نغمة بمثابة خطوة في رحلة طويلة لا تنتهي. في كل لحظة، تتشابك مشاعر الأمل مع الخيبة، ليغدو الطريق نفسه هو الغاية.
"سواح" ليست مجرد أغنية عن الحب الضائع، بل هي قصيدة عن البحث المستمر، عن السعي وراء شيء مفقود، أو ربما وراء أنفسنا. في تلك الأيام التي نعيشها دون أن نعرف أين نقف، أو ما إذا كنا نتقدم أم نعود إلى الوراء، نجد في صوت عبد الحليم البسيط الأثر الكبير. وفي كلمات الأغنية، نجد أننا لا نبحث عن الحب وحده، بل عن شيء أكبر من ذلك، ربما عن أفق ضاع في متاهات العمر.
نور عز الدين
مشغول وحياتك
تدلّع عبد الحليم حافظ على حبيبته في أغنية "مشغول وحياتك" من فيلم "الوسادة الخالية" سنة 1957، متصنّعًا الانشغال ليختبر غيرتها واهتمامها. نسج إسماعيل الحبروك كلمات خفيفة تنبض بالمشاكسة العاطفية، بينما وضع محمد الموجي لحنًا ناعمًا يتهادى مع خفة الموقف، دون مبالغة في العاطفة أو الدراما. تكامل الأداء الصوتي والتمثيلي لعبد الحليم مع النص والموسيقى، في خلق لحظة مرحة تحتفي بحيوية الحب الطفولي، وتكشف جانبًا عفويًا من العلاقة بين الحبيبين في سياق الفيلم.
يوسف علي
على حسب وداد
رغم أنها أغنية عاطفية ولكنها بالنسبة لي أغنية وداع كل الأحباب الأقرباء، من الأقرباء الراحلين عن دنيانا وحتى الرفاق والأصدقاء المهاجرين والساكنين في البلاد المختلفة. اللحظات السعيدة التي لن تتكرر، والأيام الخالية من المشاغل وزحمة الحياة، وجلسات المراهقة المرحة. هي أغنية توديع محمد أبو تريكة وبركات وجوزيه وميسي ورونالدو ومودريتش. تعطينا الأغنية عُذرنا وتوضح لنا أن لا يد لنا في كل تلك الوداعات، حينما تذكرنا أننا نسير "على حسب الريح ما يودي"، وبتقسيمات القدر.
ورغم كونها أغنية يغلب عليها طابع الرثاء أو الوداع، ولكنها تعود لتحمسنا وتعطينا في المقطع الأخير الأمل في أيام أخرى أجمل وذكريات ومعارف وعلاقات ولاعبين كرة نتابعهم، حينما يغني حليم من كلمات صلاح أبو سالم: "لا هاسلم بالمكتوب/ ولا هرضى أبات مغلوب/ وهاقول للدنيا يا دنيا / أنا راجع انا راجع / انا راجع للمحبوب / ونغنى أغاني جديده.. مليانه حكاوى سعيدة".
نورهان أبو زيد
جانا الهوى
أفلام عبد الحليم حافظ وأغنياتها تحتل مكانة كبيرة في وجداني فقد نشأت على مشاهدتها وأحببتها بشدة لذا يصعب علي أن أفاضل بين أغانيه. ومع ذلك أنحاز أحيانًا لأغنية "جانا الهوى" التي قدمها العندليب في آخر أفلامه "أبي فوق الشجرة"، وهي من كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي ذلك الثنائي الذي أبدع مع عبد الحليم في أعمال خالدة.
لا تزال هذه الأغنية من بين الأكثر استماعًا على مختلف المنصات، وهي رومانسية حالمة مليئة بالغزل أداها العندليب بصوته الدافئ والمليء بالإحساس. لا أعرف سر سحرها بالتحديد لكنها أغنية آسرة تدفعني دائمًا إلى إعادتها، خاصة أنها قصيرة نسبيًا مقارنة بأعماله الأخرى.
أي دمعة حزن لا
وُلدت فكرة أغنية "أي دمعة حزن لا" في المغرب قبل أن تحط رحالها في مصر، حيث كان الجمهور المصري أول من استمع إليها خلال حفل عبد الحليم حافظ في جامعة القاهرة عام 1974 أي قبل وفاته بثلاث سنوات. جاءت الأغنية في فترة عصيبة اشتد فيها عليه المرض، فخرجت كلماتها وكأنها محاولة منه لمواساة نفسه وتذكير روحه بقيمة الفرح وأهمية الابتعاد عن الألم والأحزان التي أنهكت قلبه وحرمته من الكثير من متع الحياة.
لحن بليغ حمدي الأغنية بتحولات موسيقية غنية ومقامات متعددة فجاءت كتحفة فنية متكاملة، أما أداء عبد الحليم فكان في قمة الشجن والعذوبة. ولا تزال هذه الأغنية بالنسبة لي، راسخة في وجداني، واقرب أغاني العندليب إلى قلبي منذ أن سمعتها لأول مرة في طفولتي.