لم يكن محمود الليثي بحاجة إلى أغنية "عم المجال كله" ليؤكّد مكانته في عالم الأغنية الشعبية المصرية؛ فهو واحد من أبرز أصوات هذا المشهد منذ بزوغ نجمه عام 2009. ما يقارب العشرين عامًا من الغناء، والاستعراض، وأحيانًا التمثيل الكوميدي، استطاع خلالها أن يضحكنا ويؤثر فينا بمواويله وأغانيه التي تمسّ الوجدان. بدأ من الإنشاد الديني والموّال، وتميّز بقدرته الفائقة على التنقّل بين المقامات، والارتجال، وركوب الإيقاع بحسّ كلاسيكي لا يُخطئ.
في هذه القائمة التي نُعدّها احتفاءً بـ محمود الليثي بمناسبة عيد ميلاده، نستعرض كيف يرى كل فرد من فريق بيلبورد عربية صورة الليثي الخاصة به: الليثي الكلاسيكي، الليثي المُستعيد للتراث، الليثي الشعبي الخالص، الليثي الذي يتحاور مع أنماط موسيقية معاصرة كالمهرجانات، والليثي صاحب الحضور الجريء. إنها محاولة رمزية لتقديم الشكر لفنان أسعدنا طويلاً.
نورهان أبوزيد
زاهد الدنيا ("يا ساتر")
ظهرت أغنية "زاهد الدنيا" ضمن أحداث فيلم "حصل خير" الذي عُرض عام 2012. وعلى الرغم من مشاركة عدد من النجوم في الفيلم من بينهم كريم محمود عبد العزيز ومحمد رمضان، إلا أنه لم يلقى استحسانًا نقديًا وحصل على تقييمات منخفضة من الجمهور والنقاد على حد سواء. لكن تظل الأغنية من أبرز النقاط المضيئة في الفيلم إذ جمعت بين أسلوب الموال الشعبي ونفحات صوفية، قدمها الليثي بصوت مفعم بالشجن يتماشى مع الكلمات التي تنعى غدر الحياة وتقلباتها مثل: "الدنيا خلاص بقت غابة / مليانة وحوش على ديابة"
المفارقة أن الأغنية ظهرت ضمن مشهد زفاف في الفيلم، وما ساهم في ذلك إيقاعاتها الراقصة التي لا تعكس المعنى الحقيقي للكلمات، بل تخفف من جرعة الحزن بها. وهي مفارقة مألوفة في الثقافة الشعبية، حيث تُرقَّص الأحزان، وتُغنى الهموم أحيانًا على إيقاعات مبهجة.
عمر بقبوق
عم المجال كله
تأتي أغنية "عم المجال كله" كصرخة فخر وتحدٍّ، تعكس روح الاستعلاء الواثق وردّ الاعتبار في وجه الخذلان والنكران. الأغنية تحتفي بالذات المنتصرة، التي تجاوزت خيانة الأقارب وقلّة الأصل، لتعلن عن تفردها وتفوّقها في "المجال" مهما اشتدت المنافسة. بكلمات لاذعة وإيقاع صاخب، يرسم الليثي صورة المغني القائد، "بابا المجال"، الذي لا يرى في خصومه إلا ظلالًا باهتة، ويجعل من نجاحه الدائم صفعة متجددة على وجوه من خذلوه.
يوسف علي
سوق البنات
ييأس الليثي الشاب في الوصول للزوجة الصالحة وحب حياته بمفرده، فيقرر مناجاة والدته لتدله على "بنت حلال"، متخذًا الطريق التقليدي لزواج الصالونات. مثلت تلك الأغنية اتجاهًا معاكسًا لصيحات الاستقلال بالرأي والخروج من عباءة الأبوية ورأي العائلة، فطوال الأغنية ينتصر الليثي بالتفنيد لجواز الصالونات.
القالب السردي المليء بالترجي من المغني لأمه، بالإضافة إلى إدخالها كبطل للسردية من خلال جملة "أمي قالتلي" المتكررة مع الأداء الغنائي السريع الذي يوافق إيقاع متسارع للطبلة والمزمار، كلها عوامل خلقت مزيجًا موسيقيًا من الصعب ألا تلتقطه الأذن ويلتصق بالذاكرة.
اللي ابوه صعيدي ميخافش
الاستعراض الذي قدمه الليثي في فيلم "كلبي دليلي"، الذي صدر في عام 2013، هو بلا شك أفضل استعراض غنائي قدمه منذ بداية مسيرته. أدار الليثي حركته بتمكن شديد، حيث ظل لثلاثة دقائق ونصف على مستوى الحركة شديد السرعة الذي فرضه المخرج إسماعيل فاروق على المشهد. ويحافظ في نفس الوقت على إشاراته التمثيلية بحركة الذراعين العنيفة، مع مزامنة تفاعلات وحركة الوجه مع الكلمات المغناة، وأداء غنائي استطاع احتواء الانتقالات الصوتية بطبقاتها المتباينة مع الحفاظ على وجودها جميعًا في مستوى عالٍ نسبيًا، وإضافته للنداءات والكلمات الموجهة في وسط الإستعراض مثل "حركاااه".
ركزت الكلمات بطريقة أشبه بالبورتريه على ذكر ميزات الصعيدي وانتمائه الشديد لأصله، قبل التركيز على صفاته الإيجابية الأخرى مثل الكرم والحب الصادق، انتقالًا إلى تحيات مناطق الصعيد، بصحبة كورس وازن بين المشاركة بالغناء وتنفيذ الصيحات المطلوبة في توقيتاتها بإنضباط.
عم يا صياد
واحدة من أبرز تعاونات الليثي والمنتج الموسيقي عبد السلام. تأخذنا إلى عالم يجمع بين مصطلحات المدن الساحلية، والتندر على ضيق الحال، حيث يسأل الليثي بكل بساطة عن المكان الذي يرمي فيه الصياد الخبير ببواطن الأمور شباكه، ليجد إنتاجًا يكفي جوعه بدلًا من الثعابين الغادرة التي تخرج له مع كل محاولة صيد.
يقدم عبد السلام واحدة من وصلات مزماره المتقنة، التي تحفز وتمهد الانتقالات الأدائية لـ الليثي من الغناء الشعبي إلى الكلاسيكي الطربي شديدة السلاسة، حيث ينتقل من مقام البياتي إلى النهاوند بشكل يذكرنا بأداء أم كلثوم في كوبليه "كنت بشتاقلك" من أغنية "بعيد عنك".
محمود عرابي
سيبك من اللي خلع
واحد من أكبر تعاونات الليثي في الفترة الأخيرة هي مهرجان "سيبك من اللي خلع" بالتعاون مع عصام صاصا، حيث يتحرك الليثي بسلاسة بين المهرجان والأغنية الشعبي بدون تكلف، مع المحافظة على جانب "السلطنة" في صوته. كما أن التوافق مع بحة صوت صاصا وأسلوب أدائه ساهم في بقاء الأغنية على القوائم لأكثر من 10 أسابيع العام الماضي. ومن المثير للاهتمام فعلًا رؤية الليثي يتحلى بالمرونة والانسجام مع الجيل الأصغر، على نحو سيسمح له بإطالة عمر مسيرته المهنية حتمًا.