نجح مهرجان "محكمة ودخلنا المفرمة" خلال الأسبوعين الماضيين في الوصول إلى المراتب العشر الأوائل على قائمة بيلبورد عربية هوت 100. الإنجاز الذي من النادر أن يتمكن مهرجان من تحقيقه، مع محدودية جمهوره ضمن مصر فقط، والمنافسة الكبيرة مع جنرات البوب والهيب هوب على امتداد العالم العربي، أثار فضولنا تجاه هذا الإصدار بعينه.
عصام صاصا، الفائز بجائزتي أفضل فنان مهرجانات وفنان المهرجانات الأول ضمن حفل جوائز بيلبورد عربية للموسيقى 2024، حافظ على كثافة كبيرة في الإصدار عبر السنوات الماضية، بما في ذلك ستة أشهر قضاها في السجن منذ نهاية العام الماضي، ولم تتمكن من إيقاف عجلة إصداراته. فما الذي قدّمه هذه المرة تحديدًا وساهم في الشعبية الخاصة لهذا المهرجان؟
كان لاثنين من كتاب بيلبورد عربية، عمر بقبوق ونورهان أبوزيد، آراء متضاربة حول هذه التجربة. إليكم رأيين مختلفين لمن أحب الإصدار، ومن عارضه كليًا:
عمر بقبوق
يتصدّر مهرجان "محكمة ودخلنا على المفرمة" لعصام صاصا قائمة أعلى 50 مهرجانات، ما يؤكد مدى انتشاره وشعبيته الواسعة. إلا أن ذلك لا يعني أن الأغنية متكاملة فنيًا، فالشعبية لا تُعفي من النقد، بل تستدعيه.
صحيح أن عصام صاصا ينجح، بين حين وآخر، في تقديم أعمال تلقى صدى لدى جمهور واسع، لكن هذا المهرجان تحديدًا يقدّم توليفة باتت مألوفة ومكررة: تفاخر أجوف وعنف لفظي واستعراض فجّ للرجولة وتوظيف سطحي ومشوّه للعلاقات الإنسانية.
فمنذ العنوان، تُستحضر مفردات الصدام والحدة، وتستمر الأغنية بلغة مشحونة تمجّد السيطرة والانتصار الوهمي، تعكس سلوكيات مضطربة، كما في قول: "أنا قاطع مخي بأمواس رخيصة / هتخشلي سبع ترجع فريسة / هتعلي الصوت هترجع في كيسة". هذه العبارات لا تُعبّر عن واقعية الشارع بقدر ما تُسهم في تطبيعه مع العنف، وترسيخ صورة عدوانية كمقياس للقوة والهيمنة.
ويزداد الأمر سوءًا حين يتسلل الخطاب الذكوري الصريح: "افترى وعوجلي شعره لورا / أنا كنت فاكرك مرا". هنا، تُستخدم الأنوثة كشتيمة، في تكريس مؤسف لفكرة أن "المرأة" مرادف للضعف أو الخيبة، وهي نظرة دونية تتكرر في هذا النوع من الأغاني، ولا يمكن اعتبارها مجرد مزحة أو انعكاس للبيئة، بل هي ترسيخ لقيم مغلوطة تتطلب المساءلة.
أما على المستوى الفني، فلا جديد فعلي يُقدَّم في اللحن أو التوزيع. الإيقاع مكرر، والميلودي سريعة النسيان، وأداء عصام صاصا لم يحمل تحوّلًا حقيقيًا يُبرّر تكرار تجربة الاستماع. أما الكليب الذي يُحسب له أنه بسيط ومرتبط بالبيئة الشعبية، فهو بدوره يسقط أخلاقيًا في بعض اللقطات غير المقبولة، من بينها توظيف شخص قصير القامة (قزم) كعنصر كوميدي بشكل ينزلق إلى التنمر، ما يعيد إنتاج خطاب بصري مهين تحت غطاء الترفيه.
في المحصلة، لا يمكن للانتماء إلى بيئة شعبية أن يُستخدم مبررًا للتطبيع مع العنف أو الترويج للذكورية، ولا يجوز اعتبار البساطة غطاءً لمحتوى يفتقر إلى الوعي، بل على العكس، الجمهور الأعرض هو الأَولى بخطاب فني يحترم وعيه، ويعكس واقعه دون أن يختزله أو يستسهل تسويقه.
نورهان أبو زيد
"خارق كالعادة بحب الرياضة/ وفي أيها أرض ليا السيادة/ دايما يدوني دور القيادة/ علشان سفاح". سرعان ما أعجبتني أغنية عصام صاصا الجديدة وأجد نفسي أعود للاستماع إليها كلما سنحت الفرصة، فهي تبث في شعورًا بالسعادة وتمنح دفعة طاقة قوية يصعب تجاهلها.
وعلى الرغم من اعتماد المهرجان على ثيمات مألوفة في هذا اللون الموسيقي، من التفاخر وإهانة الأخصام التي تتخللها بعض اللمحات العاطفية، فإن صاصا بالتعاون مع شريك نجاحه المنتج الموسيقي كيمو الديب، والشاعر الفاجر كاتب الكلمات، استطاعوا تقديم توليفة متماسكة تُحاكي لغة الشارع بمواضيع متنوعة، دون أن تفقد توازنها.
الكليب البسيط المصور وسط أهله أو جمهوره في الشارع، أضاف للمهرجان بُعدًا شعبيًا زاد من قربه من المستمعين. أما طريقة الأداء أو "الفلو" التي تبناها صاصا هذه المرة تختلف عن المعتاد، في محاولة واضحة منه لتفادي التكرار وتطوير أدواته.
أتفق تمامًا مع الرأي الذي يعارض المصطلحات الذكورية وتعابير العنف التي لا يجب اعتبارها عادية، لكن لا يمكننا أن نتجاهل أن الفن هو مرآة للواقع والشارع. كثير من الفنانين في عالم السينما والدراما، يقدمون على الشاشات أدوار البلطجي أو شخصيات تنطوي على السخرية والتهكم تجاه المرأة أو تجاه فئات معينة، ويتابعها الملايين بشكل طبيعي. والعديد من مغنيي البوب والرابرز، تزخر هيتاتهم بلغة ذكورية، ومع ذلك لا تُواجه أعمالهم بنفس الحدة التي تواجه مغنيي المهرجانات.
تنتمي كلمات هذا المهرجان لمعجم مصطلحات وتعابير هذه الجنرا، التي تخاطب الشارع الذي خرجت منه. وجمهور المهرجانات يدرك ذلك ويتفاعل مع مصداقيته. فرغم ما تحمله من إسفاف أو صدام، فإنها في كثير من الأحيان تُجسد -للأسف- الواقع الذي نعيشه والبيئة التي تخرج منها. المفارقة أن هذا اللون الموسيقي وحده هو من يتحمل وزر الواقع الذي ينقله ويعبر عنه.
*مع أم ضد زاوية خاصة، يختار فيها نقاد من فريق بيلبورد عربية إصدارًا انقسمت آراؤهم حوله، بين من أحبه ومن لم يقتنع به، ليحلله كل منهم حسب رأيه الخاص، لأن الفن فيه جانب ذاتي، يتأثر بالذائقة الشخصية، ولا يمكن الإجماع عليه.