طوال عقدين تقريبًا، تخصصت شركة السبكي في تقديم أغنية "الإفيه" لأفلام موسم العيد، عبر فناني الأغنية الشعبية، إلى أن ثبتت أصواتهم في الذاكرة.
استطاع الأخوان أحمد ومحمد من خلال شركة "السبكي للإنتاج الفني"، أن يرسّخا اسميهما كروّاد السينما الشعبية الحديثة، حتى بات فيلم العيد لا يكتمل بدون أغنية تلهب الحفلات لشهور تالية.
على جانب آخر، وبعيدًا عن الحسابات الفنية أو القدرات التمثيلية، منحت تلك الأفلام فنانيها فرصة للظهور بشخصياتهم الفنية الخاصة، والرواج وسط جمهور أوسع على امتداد العالم العربي.
أصوات الأفراح الشعبية على الشاشة الكبيرة
في عام 2006، حقق سعد الصغير نجاحًا كبيرًا بأغنية "هتجوز" من ألبومه "حد يشتري قلب"، ثم سرعان ما ظهر كبطل في فيلم العيد "عليا الطرب بالتلاتة"، حيث قدّم أغنية "العنب" ذات الطابع الشعبي الغزلي، التي استوحاها من موال "جابلي العنب يمّا" للمطربة شفيقة. وفي الفيلم نفسه قدّم أغنية "بحبك يا حمار"، التي يخاطب فيها الحمار وكأنه صديق مخلص يبتادل معه المشاعر، بأسلوب مونولوج ساخر وإنساني. وتحولت تلك الأغاني إلى هيتّات ترددت في أرجاء العالم العربي بأكمله.
في العام نفسه أيضًا ظهر سعد الصغير في فيلم "قصة الحي الشعبي"، ومعه لمعت المطربة "أمينة" في أول هيت لها: أغنية "الحنطور" التي مثلت انطلاقتها الحقيقية في عالم الغناء الشعبي.
وفي عام 2009، ظهر محمود الليثي في فيلم "ابقى قابلني" بأغنية "مدد يا دسوقي" التي استحضرت أجواء الموالد الشعبية، بمزمار صعيدي وإيقاع راقص. أما في العام التالي، فأبدعت أمينة في أغنية "بشويش عليا" من فيلم "ولاد البلد"، بأداء يجمع بين القوة والصدق والعاطفة.
كما مهدت شركة السبكي في العام نفسه لعودة متألقة لعبد الباسط حمودة إلى تقديم الأغاني التجارية مع أغنية "أنا مش عارفني" في فيلم "الفرح"، الذي ظهرت فيه أيضًا أغنية "سيجارة بني" لمحمود الحسيني.
من الشعبي إلى المهرجانات: التحول مع "عبده موتة"
دخل السبكي عالم المهرجانات في 2012 من خلال فيلم "عبده موتة"، حيث ظهر أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا في أغنيتي "أيوا أيوا" و"أنا أصلًا جامد"، والأخيرة مزجت بين إيقاعات الزار والبايس الثقيل. بعدها بعام ظهر محمد رمضان كمغني وراقص بأداء ملفت مع المدفعجية في مهرجان "أنا أصلا جن"، صاكًا عبارته الشهيرة "نمبر وان" لأول مرة .
وفي فيلم "عش البلبل" (2013)، شكّل كريم محمود عبد العزيز مع السادات وفيفتي ثلاثية كوميدية، مستلهمين مهرجان "الكيمي كا" من أغنية والده الراحل محمود عبد العزيز في فيلم "الكيف" (1985). كما قدّم السادات وفيفتي أيضًا في نفس الفيلم أغنية "مش هروح" التي تميل لأسلوب الفرح شعبي، جمعت بين سعد الصغير والراقصة دينا.
وفي الفيلم نفسه، اجتمع الليثي وبوسي في أغنية "عبده" ذات الحوار الغنائي المتبادل، ثم عادا في فيلم "عمر وسلوى" بأغنية "محمود إيه ده يا محمود"، المقتبسة جزئيًا من أغنية "تعالي جنبي" لعفاف راضي.
أما في فيلم "كلبي دليلي" (2013)، فقدّم الليثي استعراضه الأبرز بأغنية "اللي أبوه صعيدي ميخافش"، حيث دمج الغناء بالحركة المسرحية، محافظًا على أداء غنائي متوازن.
بالجمع بين الشعبي والمهرجانات في العقد الثاني من الألفية الجديدة، بدت موسيقى أفلام السبكي صدىً لصوت الشارع الحقيقي في تلك الحقبة.
تعاونات غنائية عديدة
في فيلم "أمان يا صاحبي" عام 2017 اجتمع اثنان من رموز الغناء الشعبي، ولكن بالتمثيل؛ ظهر الليثي وسعد الصغير في شخصيتي مطربين يواجهان الإفلاس، ويحاولان استعادة مجدهما في سوق الحفلات بمساعدة المطرب الشعبي الأيقوني عبد الباسط حمودة والموزع عبد السلام. وضم الفيلم تعاونات غنائية عديدة، منها "مش عليّا" لليثي مع رضا البحراوي، و"شيكولاتة" التي جمعت بوسي مع محمود الليثي مجددًا.
آخر الهيتات كانت منذ عامين في فيلم "بعد الشر" (2023)، حيث جمع السبكي أربعة من نجوم الأغنية الشعبية – عبد الباسط حمودة، الليثي، حمدي باتشان، حسن الخلعي – في أغنية "سطلانة"، التي بدت أشبه بمشهد سريالي مليء بالتعابير العفوية والانفعالات العشوائية، مستلهمة من روح أغنية "اتفضل من غير مطرود" لنجاح الموجي.
في صيف ذلك العام، تحولت "سطلانة" إلى ترند عربي، ثم عالمي، بعدما سيطرت على المنصات ومقاطع تيك توك. وظلت حاضرة على قوائم بيلبورد عربية لأسابيع طويلة متتالية حتى منتصف العام 2024. كما ظلت فقرة ثابتة في الحفلات والأعراس حتى اليوم.
ربما يصعب أن نعدد كل هيتّات العيد التي قدمتها أفلام السبكي. أغنية "حلاوة روح" لحكيم (2014) في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم، وأغنية "آه لو لعبت يا زهر" لأحمد شيبة من فيلم "أوشن 14" (2016) وأغنية "عم يا صياد" لمحمود الليثي من فيلم "يجعله عامر" (2017)،. وغيرها من الأغاني الكثير.
والآن، حين نفكر في أفلام السبكي، سواءً تلك التي حققت نجاحًا كبيرًا أو تلك التي لم يكتب لها هذا النجاح، حتى إننا قد لا نتذكر أسماءها أصلًا، نجد في كل منها أغنية شعبية أو أكثر عاشت حياة منفصلة في الأفراح والحفلات والملاهي، بعيدًا عن سياقها الدرامي الذي قد ينساه الجمهور مع انقضاء موسم العيد.