النشاط اللافت لتامر حسني منذ بداية موسم الصيف بدا انعكاسًا لشعوره بأن الوقت قد حان لتجديد ذاته، وكسب أراضٍ جديدة. فمنذ بداية الصيف، وقبل انطلاق فيلمه الجديد "ريستارت"، ظهر لنا تامر بعدد من التعاونات المثيرة. تعاونات حاول من خلالها اجتذاب جمهور جديد من جيل زد، أو دخول أراض جديدة.
مخاطبة جيل الشامي
لعل الديو الأبرز في هذا النشاط الجديد كان أغنية "ملكة جمال الكون"، مع الشامي، الفنان السوري الصاعد. فالمتابع للوسط الغنائي يعرف جيدًا حجم الجماهيرية التي حققها الشامي في وقت قصير لم يتجاوز خمس سنوات تقريبًا. ومنذ أغنية "ياليل يالعين" التي نالت جائزة أفضل أغنية عربية لعام 2024 في حفل جوائز "جوي أوورد" تصدر الشامي أرقام المشاهدات، وقوائم الاستماع، بل واحتل اسمه الوسم الثالث عالميًا على موقع تيك توك.
هكذا، كان الشامي هو المرشح المثالي عندما فكر تامر حسني في التعاون مع مطرب شاب ينتمي لجيل زد ويأتي في قائمة تفضيلاتهم الموسيقية. في هذا التعاون، صاغ تامر الكلمات واللحن لأغنية "ملكة جمال الكون"، وتولى إخراج الكليب، بينما ترك مهمة التوزيع الموسيقي للشامي بمشاركة إليان دبس.
النتيجة أن خرجت التجربة بروح ثيمات تامر الغنائية التي تدور في قالب "الغزل الشقي"، متأرجحة بين اللهجتين المصرية والشامية، مع رؤية بصرية نمطية لفكرة الرقص على الشاطيء بمشاركة فتيات الاستعراض. لكن النتيجة الأكبر كانت أن الكليب حقق ملايين المشاهدات ودخل قائمة هوت 100 في المرتبة الثانية مباشرةً في أول أسبوع له.
ربما لم تخرج الأغنية مبهرة على المستوى الفني، غير أن التوزيع الموسيقي مزج بين إيقاعي المقسوم المصري والدبكة الشامية ببراعة تجتمع فيها ثقافتان موسيقيتان مختلفتان.
الرهان على الشعبي
في الديو الثاني، "المقص"، راهن تامر حسني على جمهور الأغنية الشعبية المصرية؛ شريحة كبيرة من الجمهور يتصدر ذائقتها صوت "خشن" ومتمكن هو رضا البحراوي.
"المقص" لم يكن المحاولة الأولى لتامر في لعبة الأغنية الشعبية، فقد فعلها عام 2003 مع بهاء سلطان بأغنية "قوم أقف"، ثم عاد في ألبوم "عيش بشوقك" (2018) ليقدم أغنية "100 وش" مع "كومبو" الطرب الشعبي المكوَّن من أحمد شيبة ومصطفى حجاج ودياب، والثلاثة كانوا من أبرز النجوم وقتها.
ربما كانت أغنية "المقص" هي الأنجح فنيًا بين ديوهات تامر الأخيرة، خاصة أنه تقمص روح المطرب الشعبي في صياغته للكلمات واللحن، ولم يخرج موزع الأغنية عمرو الخضري عن هذا الإطار مستخدمًا شحنة مكثفة من الإيقاعات المصرية، والأصوات الاليكترونية المدمجة بالأورج و المعروفة باسم "مزمار عبد السلام"؛ تركيبة موسيقية قادمة من بطن الأفراح الشعبية التي يتربع رضا البحراوي الآن على عرشها.
جاءت كلمات الأغنية غارقة في مفردات "الذكورية" الشعبوية الرائجة في هذا اللون الغنائي حاليًا مثل "غدر الصحاب" و"صحبة الأندال" و "الرجولة والجدعنة"، لكن الذكاء الأكبر لدى "الملحن" تامر حسني ظهر في اختياره لجمل لحنية من مقام "البياتي" تضع صوته هو والبحرواي في ميزان واحد خارج المقارنات المتوقعة، كما أن قدرته على التقمص الغنائي للحالة أذابت هذه المقارنات مبكرًا.
غير أن الهدف التسويقي نحو الأجيال الجديدة في تجارب تامر الأخيرة يظهر بوضوح في أغنية "قلّودة"، التي قدمها مع مغني المهرجانات أحمد بحر الشهير بكزبرة. لم تقدم هذه التجربة قيمة حقيقية، باستثناء اجتذاب الشباب الذين توافدوا على السينمات لمشاهدة كزبرة في فيلم "الحريفة 2"، ناهيك عن المشاهدات المليونية التي حققتها أغنياته مثل "حبيبي لو زعلان" و"كله بيكدب".
الرقص على إيقاعات "الهاوس"
الديو الأخير في "حملة" تامر الغنائية لهذا الصيف جاء أكثر نضجًا على المستوى الموسيقي، ولم يكن بمشاركة مطرب آخر بل تعاون مع الموزع والدي جي علي فتح الله في أغنية "حبيبي تقلان".
قدم علي فتح الله رؤية موسيقية طازجة للقوالب الغنائية التي يبحر فيها تامر حسني ، حيث افتتح الأغنية بالإيقاع الإلكتروني الراقص ثم انتقل إلى فواصل من الهاوس تتخللها لمحات من إيقاعات المقسوم لمنح الأغنية صكّ الشرقية المعتاد والمحبب لدى أغلب المطربين العرب في هذه الأعمال.
لا صوت يعلو فوق "التسويق"
بعد مسيرة فنية امتدت لخمس وعشرين عامًا أثبت تامر حسني أن فكرة الديو في قاموسه تعني التسويق واكتساب جماهير جدد، أو الترويج لفكرة دعائية يستهدفها، وهذا في حد ذاته ذكاء لا يلام عليه. فعندما لمس النجاحات الكبيرة التي حققها رامي صبري خلال السنوات الأخيرة وتحديدًا في سوق الخليج العربي قدم معه ديو "فعلا مبيتنسيش" وخرج موسيقيًا وبصريًا بميزان من التقدير المتبادل.
ومنذ سنوات بعيدة سعى تامر حسني للترويج لفكرة وصوله إلى العالمية، فقدم دويتو Smile مع شاجي، ثم قدم "سي السيد" مع سنوب دوج في 2013 ، وفي عام 2018 حقق حلمًا قديمًا بالغناء مع الشاب خالد، وقدما سويًا ديو "وإنت معايا" الذي حمل مزيجًا من موسيقى الريجي والراي والإيقاعات المغاربية ضمن ألبوم "عيش بشوقك"، وهو أيضًا نفس الألبوم الذي قدم فيه أغنية "100 وش" مع الثلاثي حجاج وشيبة ودياب، التي خاطبت المزاج الشعبي بميلودراميته الساخرة من تقلبات البشر.
كلها تجارب لم تقدم شيئًا متفردًا على المستوى الموسيقي، لكنها عكست ذكاءً تسويقيًا، وسعيًا حقيقيًّا لاستكمال قطع البازل الناقصة في "بيرسونا" نجم الجيل الذي يسعى دائمًا لتكريس صورته كفنان شامل وناجح ومستمر وقادر على مخاطبة مختلف الفئات والأجيال.