لم تكن فكرة "الديو" في مسيرة منير مجرد مشاركات غنائية مع فنانين آخرين بحثًا عن جماهيرية أو ترويج أكبر، بل ارتكزت منذ اللحظة الأولى على سبب فني وثقافي أو ربما إنساني كعنوان لرسالة يشارك فيها فنانًا آخر.
في السادس والعشرين من عام 1986 استيقظ العالم على كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي. كان القادة يبحثون عن مخرج لهذه الأزمة التي امتدت تأثيراتها البيئية والسياسية، بينما كان منير يتحاور مع صديقه حميد الشاعري في سهرة جمعتهما، فنتج عنها أغنية "أكيد" التي كتب كلماتها الشاعر عبد الرحمن أبو سنة، ولحنها ووزعها الشاعري لتصدر في ألبومه الذي حمل اسم الأغنية.
كانت "أكيد" بمثابة رسالة للإنسانية مشحونة بالكثير من الأمنيات المحطمة على صخرة الواقع وهما يقولان : "بحلم يا صاحبي يكون لنا/ حقيقة صافية في عمرنا/ بحلم بعالم فيه قلوب بريئة دافيه تضمنا/ عالم جديد يمكن بعيد لكن أكيد هيكون لنا"
إحياء التراث من السودان والجزائر إلى برشلونة
هذه التجربة شجعت منير على الانفتاح على تقديم ديوهات مع فنانين من ثقافات موسيقية أخرى. ففي عام 1987 التقى منير بالفنان الجزائري المقيم في ألمانيا حميد بارودي، الذي كان قد أعاد بدوره إحياء أغنية "حكمت لقدار" التي غنتها فرقة "لرصاد" المغربية عام 1979.
قدم منير وبارودي أغنية "حكمة لقدار" في ألبوم "وسط الدايرة" وكانت تجربة جريئة أن يغني من التراث المغاربي لأول مرة بكلمات للشاعر "ميلود الرميقي"، تناول فيها فكرة الاغتراب من وحي قصة مدرس تم نقله من مدينته إلى منطقة جبليه نائية!
اختار منير أن يتولى مهمة إحياء التراث في مرحلة مبكرة من مشروعه الموسيقي، فأعاد تقديم أغنيه "وسط الدايرة" للفنان السوداني محمد وردي، بل وجعلها عنوانًا للألبوم.
وبعد سنوات وقع الاختيار على منير لتقديم أغنية حفل افتتاح دورة ألعاب البحر المتوسط ببرشلونة 1992، واستقر على غناء "وسط الدايرة" كونها تحمل مفردات إنسانية مبهجة تدعو للفرحة والاحتفاء، إلا أن المسئولين عن تنظيم الحفل رأوا أن تكون الأغنية مشتركة بين مطرب ومطربة، فرشح أحد أصدقاء منير المطربة الشابة أميرة، التي توهجت في تلك الفترة بأغنيتها "ياشمس غيبي"، فتحمس منير للفكرة، وانتشرت الأغنية بشكل أوسع وظلت مرتبطة في ذاكرة الجمهور بمشهد منير وأميرة وهما يغنيان في أرض الملعب.
هذه الأغنية لم تكن الدويتو الوحيد بين منير وأميرة، فدعاها للغناء معه في دويتو آخر بعنوان "سحر المغنى" ضمن ألبومه "افتح قلبك" 1994.
مصالحة الوطن بمساعدة "أنوشكا"!
على سبيل المفارقة كان ألبوم "افتح قلبك" سببًا غير مباشر في ديو آخر بين منير وأنوشكا، حيث ضم الألبوم أغنية "قلب الوطن مجروح" من كلمات ابراهيم رضوان ولحن مدحت الخولي. أغنية أقرب إلى رسالة عتاب قاسية من مواطن مُحبط إلى وطنه. عتاب فسره البعض على أنه "معارضة سياسية" رغم أن منير لم يقصدها. بعد فترة عرض عليه الشاعر مجدي نجيب أن يغني ديو مع أنوشكا التي تحمست لإنتاج عمل مشترك بينهما، فوجدها منير فرصة لإعادة تقديم الأغنية بكلمات مختلفة وهي "بلاد طيبة" التي كتبها ولحنها مدحت الخولي وصاغ فيها "كوبليه" أشبه باعتذار علني عندما قال: " ليكي أنا غنيت يا دنيتي وناسي/ لو كنت مرة جنيت حقك على راسي".
ظل منير يتعامل مع فكرة الديو باعتبارها مساحة لمشاركة الأفكار الإنسانية مع فنانين آخرين، فعاد بعد عامين في ألبوم "من أول لسمة" (1996) ليقدم ديو "قبل ماتحلم فوق" مع المطربة الشابة داليا، التي عرفها الجمهور وقتها بأغنية "أنا بحبك إنت". بدت الأغنية التي كتبها بهاء الدين محمد ولحنها عمرو محمود كرسالة شاعرية عن أحلام الإنسان ومقاومة الإحباطات التي تواجهه.
الكينج عند مفترق الطرق
في عام 2000 انتقل منير إلى شركة "فري ميوزيك" للمنتج الشهير نصر محروس. مرحلة جديدة اتسمت بالشعبوية، وتحول منير من مطرب النُخب الثقافية إلى "الكينج" الذي يغني للشباب ويعيد تشكيل مشروعه بصيغ أكثر رشاقة وبساطة، فكانت المُقدمة الأنسب لهذه "الهوية" هي ديو مع المطرب خالد عجاج.
صدرت أغنية "ليه يادنيا" التي كتبها مصطفى كامل ولحنها أحمد شاهين في ألبوم مجمع لمطربي الشركة بعنوان "فري ميكس 2"، وكان افتتاحه بهذا الديو خير وسيلة لترويجه. لكن الأغنية أيضًا يمكن اعتبارها إنسانية، تتحدث عن صدمات الإنسان في علاقاته بالآخرين، يتصدرها السؤال فلسفي هو: " ليه يادنيا الواحد بيقرب من ناس بايعاه؟!"
لم يكُف منير عن النبش في تُربة الفولكلور ومد جسور التعاون الموسيقي والثقافي مع فنانين من مدارس أخرى، فعاد ليغني مع الفنان الجزائري حميد بارودي أغنية "سيدي"، وهي أغنية من التراث الجزائري تحكي عن الاغتراب، وأعاد بارودي إحياءها على إيقاعات الراي. أعجب منير بالفكرة خاصة وأنه مهموم بهذه الموضوعات منذ بداياته، فاختارها ليغنياها سويًا في ألبومه "في عشق البنات".
توقف منير عن تقديم الديوهات لفترة، حتى أعجب بأغنية "يا رمّان" التي كان المطرب النوبي الشاب "شاندو" يستعد لتقديمها في ألبوم له، فدعاه منير ليشاركه غنائها في ألبومه "يا أهل العرب والطرب" (2012). ولكن الأغنية تسببت في أزمة إعلامية شهيرة عندما فوجيء شاندو بعد صدور الأغنية بأن منير اكتفى بوضع صوته على مقطع واحد فقط ليظهر للمستمع وكأنه "كورال" يغني وراءه.
القاهرة التي يراها "الهضبة" من شرفة فندق !
رغم ديوهات منير العديدة مع مطربين مصريين، لم يكن أي منها مع مغني يضاهيه في الجماهيرية أو طول المسيرة. لذلك لم يتوقع أحد أن تجمعه أغنية بعمرو دياب يومًا ما، وهو ما تحقق في شتاء 2016 عندما فوجيء جمهورهما بإصدارهما ديو "القاهرة" .
تجربة سعى لها عمرو دياب الذي يحكم علاقته بمنير تقدير متبادل عبَّرا عنه في مناسبات عدة. لهذا ولدت فكرة الديو، وكان ذلك داخل ستوديو صديقهما المشترك الموزع أسامة الهندي، حيث التقى دياب بمنير وعرض عليه أن يغنيا معًا أغنية وطنية خارج السياقات المعتادة، بل تميل إلى الغزل في قيمة وعظمة القاهرة كعاصمة ثقافية وفنية وسياحية.
لكن الأغنية لم تسلم من الانتقادات بسبب تصويرها، فسخرت بعض الأقلام من رؤية المخرج شريف صبري وعمرو دياب للقاهرة التي قدماها بعين سائح أجنبي من شرفة فندق خمس نجوم، وورَّطا معهما منير الذي غنى لكل مدن مصر قبل سنوات بكلمات أكثر عمقًا وبلاغة للشاعر الكبير فؤاد حداد في "عقد الفل والياسمين".
طوال مسيرته كان منير منفتحًا على الثقافات الأخرى. رحلاته المعتادة إلى ألمانيا كونت صداقات عدة بينه وبين موسيقيين من أصول مختلفة، وهو بدوره كان شغوفًا بأي تعاون فني يقدم رسالة إنسانية. لهذا لم يتردد في مشاركة المطرب الألماني ذي الأصول المصرية عادل الطويل ومعهما الموسيقار السنغالي يوسو ندور تقديم أغنية "عالم واحد" التي ناقشت قضية اللاجئين بدعم من المؤسسات الأممية المهتمة بهذا الشأن.
بعد هذه التجربة توقف منير لفترة عن تقديم الديوهات، وكأنه لم يجد ما يشجعه على تقديم أعمال مشتركة لأهداف ثقافية أو إنسانية، إلى أن صدم جمهوره بأغنية "الساحل الشمالي" مع ميريام فارس عام 2023.
تجربة أثارت غضب جمهور الكينج الذي لم يقبل بدويتو أقل من التوقعات، ناهيك عن توتر علاقة ميريام بالجمهور المصري على خلفية تصريحات صحفية سابقة لها ردًا على سؤال حول أسباب عدم اهتمامها بإحياء الحفلات في مصر.
صحيح أن تجارب منير في الديوهات بدأت مرتكزة على مشروع ثقافي وموسيقي، ولكنها تأثرت بعوامل الزمن التي غيرت كثيرًا في أفكار منير وحساباته تجاه مشاركة صوته مع فنانين آخرين.