حتى كتابة هذه السطور، طرح محمد رمضان قرابة 30 أغنية خلال عام 2025 ، معدل إنتاج غير مسبوق لم يقدر عليه مطربون متفرغون للغناء. لكن هل حقق هذا الكم من الأغاني أي تأثير حقيقي على الساحة الفنية مقارنة بأغانيه الأولى مثل "نمبر وان" و"مافيا" و"الملك"؟
عندما أطلق رمضان أغنيته الأولى "نمبر وان" عام 2018، لم يتوقع أحد أن يتسبب "مُمثل" في حراك موسيقي حقيقي أنتج تفاعلًا بين عدة جنرات موسيقية مثل البوب والمهرجان والهيب هوب. لكن الحقيقة أن رمضان أصبح -بقصد أو بدون- جسرًا يربط بين هذه الأنماط الموسيقية بفضل تعاوناته مع صُناع قادمين من هذه الخلفيات الموسيقية.
لم تكتفِ "نمبر وان" بكونها حجر أساس في تكوين جنرا موسيقية مصرية جديدة، بل كانت الرصاصة الأولى التي أطلقها رمضان للإعلان عن مشروعة الغنائي الذي يهدف إلى تكريس صورة الفنان الأفضل والأهم والمتصدر وملك الساحة الذي يقف في وجه الجميع، ولا يكف عن هجاء منافسيه والانتقاص من قدرهم. لكن من هم منافسوه إن لم يكونوا زملاءه "الممثلين" و"المطربين"؟
تأكد ذلك في أغنية "الملك" التي أطلقها في العام نفسه، وفيها رفع الستار عن حياته الخاصة، حيث صوَّر الكليب متباهيًا بممتلكاته لأول مرة، ولم ينسَ بالطبع إهانة منافسيه في رسائل مباشرة مثل: (أنا ملك الغابة شايفك قطة/ التاج على راسي يلا يا بروطة).
تلاها رمضان بأغاني ناجحة من نفس النمط وبنفس الجنرا التي تمزج بين إيقاعات المهرجان والموسيقى الإليكترونية. أنجح هذه التراكات كان "مافيا" (2019) التي أفتتح كليبها بالثيمة الرئيسية لموسيقى فيلم "الأب الروحي" قبل أن يواجه منافسيه وهو يرقص قائلًا: (مبخافش من حد ولا عمري هكشّ/ وأي حد هيواجهني هاخده وشّ)، وحققت الأغنية أكثر من 260 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب، لتعلن بدء عصر محمد رمضان المطرب المنافس لنجوم الغناء بالأرقام والهيتات والتريندات.
تكريس صورة الـ "نمبر وان"
نجحت تجربة محمد رمضان الغنائية لأنها اعتمدت على فلسفة الصدمة؛ فنان محسوب على وسط الممثلين، يطلق على نفسه لقب "نمبر وان" في ظل ضيق واضح من نجوم أكبر منه سنًا ومسيرة، فيخرج ليهجوهم ويسخر منهم في أغانيه التي استخدمها كبديل للتصريحات الصحفية "اللاذعة" التي سببت له الكثير من الأزمات.
وسط هذا النجاح قرر رمضان التوسع في مشروعه الغنائي ليتجاوز حدود الـ "دِس" و"البيف" الهجائية ويفتح نافذة التعاون مع فنانين آخرين. كانت البداية من دويتو "إنساي" مع سعد لمجرد (2019) الذي حقق نجاحًا كبيرًا وبلغت مشاهدته على يوتيوب 431 مليون مشاهدة. هذا النجاح كان سببًا في اتجاه رمضان لتعاونات أخرى مع فنانين عالميين مثل أغنية "يا حبيبي" مع ميتري جيمس (2020)، التي قدمت نموذجًا في صياغة الراب على إيقاعات المقسوم الشرقي.
صحيح أن مسيرة رمضان فيما بعد شهدت تعاونات مع فنانين أجانب مثل غنائه "أكوابا" مع فرقة ماجيك سيستم الإفوارية والمغنية النيجيرية يامي ألادي في افتتاح كأس الأمم الأفريقية 2023، وكذلك تريو "عربي" مع المغني اللبناني الكندي مساري والرابر الأمريكي فيوتشر، ودويتو "تي إم أو" مع الأردني عصام النجار، وغيرهم. لكن أيًّا من هذه التعاونات لم يحقق النجاح الساحق الذي حدث في "إنساي" و"ياحبيبي"، ما دفع رمضان للاستمرار في خط الهجاء الغنائي مكتفيًا باطلاق الرصاص الموسيقي على زملائه.
فلسفة الصدمة وفخ التكرار في أغاني محمد رمضان
الواضح إن الخط الغنائي لمحمد رمضان اعتمد على عدة عناصر رئيسية، أبرزها هجاء المنافسين والانتقاص منهم، والتأكيد على كونه الأفضل والأنجح ، مع المبالغة في تضخيم الأنا، بل والإسقاط على الأزمات الشخصية والإعلامية التي يتعرض لها لتتحول إلى موضوعات في أغانيه، وبالطبع كل هذا يٌقدم في قالب موسيقي راقص يمزج بين المهرجان والراب والبوب والهيب هوب.
ولهذا لا عجب أن يكون أغلب الأسماء التي شاركت رمضان في هذه التجارب من صُناع أغاني المهرجانات مثل كلوبكس، وحازم إكس، ومصطفى حدوتة، وإسلام ساسو، وتاج، وغيرهم من الأسماء التي ساهمت في صياغة هذا المزيج الذي اختلطت فيه الجنرات وتصدرت فيه صورة الـ"نمبر وان" بأوجهها الدعائية والانتقامية وربما الذكورية أيضًا.
عامًا بعد الآخر سقطت الجنرا "الرمضانية" في فخ التكرار والتنميط؛ نفس الموضوعات ونفس عبارات الهجاء حتى مع رفع سقف الاستهزاء بالآخر، وهو ما يظهر بوضوح في أغاني مثل "بحب أغيظهم" (2025) التي يقول فيها: ( كل دي تلامذة طالعة من فصلي/ بتقلدني بس أنا الأصلي/ كومبارسات نكشوا الوحش/ فا إزاي عليهم معلقش)، أو في أغنية "عضمضم" التي يقول فيها: ( كل دول بلاليص بس أخوك وان بيس/ كل دول هلاهيل بس أخوك ده تقيل).
الأنا المتضخمة في أغاني محمد رمضان
بجانب الهجاء والسخرية لا يمكن إغفال الحضور الواضح للذات المتضخمة التي كانت ومازالت عنصرًا هامًا في كلمات أغاني محمد رمضان، والتي عادة ما تبدأ بـكلمة "أنا"، مثل (أنا بين جمهوري ملك)، أو في أغنية "أنا مافيا.. إنت هلهل" حيث دخل في وصلة من تقزيم منافسيه: ( أنا بحضر إنت تِقلب/ أنا بطلع إنت تنزل/ أنا مافيا انت هِلهل). نفس الأسلوب كرره أيضًا في أغنية "رقم واحد يا أنصاص" وهو يقول: (أنا الجديد يا قديم/ أنا الشنب ياحريم/ أنا الجحيم يا نعيم).
في هذه الأغنية تحديدًا كشف رمضان عن بعد ذكوري في كلمات أغانيه عندما أخذ الهجاء منحنى تشبيه منافسيه بالإناث في مقطع ( أنا الشنب ياحريم)، وهو الأمر الذي يعبر عن ثقافة صُناع أغاني المهرجانات في تناول المرأة من زاويتين لا ثالث لهما غالباً، إما الغزل الفج أو الوصم الأخلاقي.
لم يختلف رمضان مع هذه الرؤية عندما تناول سيرة المرأة في أغانيه، مثل أغنية "الجو حر" التي يقول فيها: (سارح أنا بيختي في نص البحر/ أنا وهي بس وتالتنا شيطان)، أو في أغنية "السلطان" التي يقول فيها: (أنا السلطان والبنات حواليّا).
محمد رمضان بين الصورة والواقع
صحيح أن التبجح بالقوة والتقليل من شأن الخصوم من الثيمات المتكررة في أغاني الراب والمهرجانات على حد سواء، لكن يبدو أن رمضان قد ذهب خطوة أبعد. لم يعد يقدم مجرد صورة فنية، بل ربط صورته هذه بحياته الشخصية. في كل ظهور له -تقريبًا- تجده يرمي هذه الورقة؛ ورقة النجاح منقطع النظير، والتفوق على الأقران. حتى وهو وحده في المنزل، يسجل فيديو على السوشال ميديا يسأل فيه "تشات جي بي تي": "مين نمبر وان في الوطن العربي في الموسيقى والتمثيل؟"، وبالطبع يحصل على الإجابة التي يريدها.
هذه هي الصورة التي يقدمها رمضان عن نفسه، غير أن الواقع قد يكون مختلفًا. إذ يبدو أن مشروع محمد رمضان الغنائي يواجه تحديًا كبيرًا هو القدرة على الاستمرار بتأثير ونجاح حقيقيين.
فبرغم هذا العدد الهائل من الأغاني هذا العام، يحتل رمضان (لحظة كتابة هذا المقال) المركز65 ضمن قائمة بيلبورد عربية 100 فنان، بينما كان أعلى مركز حققه على الإطلاق هو المركز 17 في مارس العام الماضي. على الجانب الآخر، لا تظهر أي من أغانيه على أي من قوائم بيلبورد.
بل إن كثير من الأغاني التي طرحها هذا العام لم تتجاوز مشاهداتها حاجز المليون على يوتيوب، ليكسر ذلك صورة رسّخها رمضان نفسه بالاستدلال بأرقام المشاهدات كدليل وحيد على النجاح. ولكن ما يعيشه الآن يبدو أشبه بالمفارقة الساخرة، خاصة عندما تستمع لأغنية يقول فيها "رقم واحد يا أنصاص" بينما عداد مشاهداتها لم يتجاوز 300 ألف مشاهدة إلا بالكاد رغم مرور أكثر من شهر على طرحها.
رغم أن محمد رمضان استطاع في سنوات قليلة أن يفرض نفسه كأحد أبرز وجوه أغاني المهرجانات والهيب هوب في مصر والعالم العربي، وأن يحقق نجاحات كبيرة عبر أغانٍ مثل "نمبر وان" و"مافيا" و"إنساي"، إلا أن تجربته تبدو اليوم عالقة بين التكرار والاعتماد المفرط على صورة "الفنان المتصدر"، فهل يستطيع أن يجدد مشروعه الغنائي، أم أن جمهوره بات يبحث عن أصوات أكثر تنوعًا وابتكارًا؟