من الأضعف للأقوى: ترتيبنا لجميع أغاني ألبوم كارمن سليمان الجديد "أصح غلطة"

حين نكون أمام صوت بغاية الاكتمال كما في حالة كارمن سليمان، أثبت نفسه للجمهور منذ سنوات طويلة كصوت قادر على تقديم كل الألوان بعذوبة وتمكن، يصبح التحدي هو تحدي اختيار أغاني مميزة ومتنوعة، تؤثر في الجمهور وتبقى معهم.

في مقابلتها مع بيلبورد عربية الشهر الماضي أخبرتنا كارمن سليمان أنها تعتبر ألبوم “أصح غلطة” الأوّل في مسيرتها الفنية، لأنه يُعبّر عنها ويعكس جزءًا من الموسيقى التي تحب أن تقدّمها. بدا لنا حينها التصريح مفاجئًا، وكأن الفنانة الشابة تضغط زر "ريستارت" لمسيرتها. لكنها بررت ذلك بقولها: "عشت كل تفاصيله، من اختيار الكلمات والألحان، إلى تنفيذ التوزيعات الموسيقية. إنه ألبوم بالغ الأهمية بالنسبة لي."

مع اكتمال أغاني الألبوم العشر التي صدرت على دفعات، يرتب لكم فريقنا جميع هذه الأغاني من الأضعف للأقوى بحسب ما سمعناها وتفاعلنا معها خلال الفترة الماضية:

بالمقارنة مع أغاني أجرأ في الألبوم وأكثر تجديدًا على مستوى الموضوع أو الجمل اللحنية والتوزيع، قد تكون "الدنيا رايقة" من الأغاني التي تشعرنا بالملل نسبيًا، وكأنها مألوفة أكثر من اللازم. تمر الأغنية مرور الكرام، فلا نشعر برغبة لتكرار الاستماع إليها كثيرًا.

في "إنت وبس" ترسم كارمن سليمان صورة الحبيب كمنبع طاقة إيجابية، وجوده وحده كفيل بأن يملأ الدنيا بالسعادة. تعتمد الأغنية على لغة متناقضة تتأرجح بين عفوية طفولية في تكرار عبارة "سيبوني سيبوني"، وبين لغة متكلّفة، حيث تنتهي الجملة ذاتها بـ "جمال محياه"، لتبقى اللغة تائهة بين بساطة لغة الشارع أم فخامة لغة الغزل الشعري الكلاسيكية. 

تستمر الأغنية الهادئة والانسيابية دون مشاكل حتى نصل إلى جملة "أيوه صح كده أيوه/ ده حبيبي هو ساكن هنا جوا" فنشعر فجأة أن بساطة الأغنية تظلم صوت كارمن الواسع، وتحجمه في مساحة تقليدية. الأغنية لطيفة ككل، لكنها حتمًا لم تُفصّل على مقاس كارمن.

لازمة هذه الأغنية شديدة الجاذبية، وهي مرشح مثالي لتكون مقطعًا صوتيًا يصبح ترند على تيك توك أو غيره من منصات. لكن المقطعين اللذان يوصلاننا إلى هذه اللازمة كانا تقليديين بعض الشيء ونشعر أننا سمعنا جملهما اللحنية كثيرًا من قبل. 

تحمل هذه الأغنية طابعاً درامياً حزيناً، وقد أضفى استخدام الآلات الحية رونقاً خاصاً على التوزيع، فجعلها أكثر غنى وثراءً. اللحن في حد ذاته عذب، غير أننا نشعر أن أداء كارمن كان بحاجة لأن يكون أقوى أو أكثر عمقًا وإقناعًا ليعبر عن الكلمات، لا سيما في المقطع الذي تقول فيه: "مكنتش يعني في الجنة عشان لما أمشي منها أموت"؛ إذ لا يصلنا تماماً إحساسها بالألم أو تهكمها على الفكرة. الكلمات واللحن والتوزيع جميعها جاءت متناسقة ولطيفة، لكن لو كان الأداء أكثر تعبيرًا لارتقت الأغنية إلى مستوى أعلى بكثير. ومع ذلك، تبقى الطبقة الصوتية التي غنّت منها كارمن مناسبة تماماً لخامة صوتها، وهو ما تبرع به دومًا.

في "يا زعلانين" تخرج كارمن سليمان من دائرة الغناء الرومانسي، لتقدم أغنية أشبه برسالة دعم إيجابي توجهها للمكتئبين. الأغنية تبدأ بمزاج متثاقل، يحاكي كآبة المستمعين الذين تخاطبهم، ثم ينفجر الإيقاع الشرقي الراقص كنافذة ضوء تُفتح فجأة في غرفة مغلقة. 

لعبة "السينثات" المتنقلة بين سماعات الأذن اليمنى واليسرى تضيف توتراً، وكأنها محاولات خفيفة لهزّ المستمع من سباته. الكلمات بسيطة ومباشرة، لكنها تكتسب قوتها من الأداء المندفع لكارمن، وصوتها المليء بالطاقة. أغنية قد تبدو وعظية للوهلة الأولى، لكنها تحمل خفة قادرة على إقناعك بالابتسام، ولو لمرة. 

أغنية كلها جرأة وتمرد، بدءًا من الموضوع، فليس سهلًا على أيه شابة أن تقف وتغني بكل ثقة للـ "إكس" بتوعد وتحدي، أنه لن يعرف الحب بعد اليوم، بعدما رفعت هي السقف. تغني كارمن في الافتتاحية: "لسه تعبك مابتداش..للأسف هتشوف كتير/ لما بُكره هاتكتشف..ان انا الحب الأخير" ثم تتابع في اللازمة: "صعبتها ع اللي بعدي..كل اللي هاييجي ماشي/ ومحدش بعد مني.. هيلاقي مكان فاضله/ صعبتها ع اللي بعدي..وانا قولتها وانت ماشي/ اللي بيتخلى عني… خسران العمر كله" فنشعر تلقائيًا بالأسف على الشاب الذي خلفته وراءها وخسر كل هذا الحب.

لكن جرأة الأغنية لم تتوقف عند الكلمات. في التوزيعات جاذبية كبيرة يخلقها تناقض الأصوات. فمن الجيتار الكهربائي في الافتتاحية، إلى دفء صوت الناي في منحنيات اللحن، نتنقل مع صوت كارمن ضمن توليفة تظهر أجمل ما في لحن كريم نيازي، حتى نقتنع أننا أمام أغنية "فريش" ومختلفة. 

تبرز أغنية "عُمر تاني" كأحد الأعمال اللافتة التي تستحق التوقف عندها في الألبوم. الأغنية من كلمات أحمد المالكي وألحان مدين وتوزيع يحيى يوسف، وتدور في فلك الحب من النظرة الأولى. فكرة قد تبدو مألوفة لكن التنفيذ هنا أضفى عليها خصوصية واضحة.

اللمسة المختلفة التي منحت الأغنية هذا التميز لا تعود فقط إلى عناصرها التقليدية بل إلى التناغم بين الكلمات واللحن والإيقاع الحيوي. أضفت نغمات الناي في خلفية بعض المقاطع دفئًا هادئا ورقة تشبه النسمات التي توقظ الحواس بلطف. ورغم الإيقاع السريع نسبيًا، إلا أن الأغنية تترك في النفس شعورًا بالخفة على نحو لا مثيل له.

قد لا أملك تفسيرا دقيقا لما يجعل هذه الأغنية تحديدًا مميزة لكنها ببساطة تدخل القلب من دون استئذان، أغنية لها شخصية مختلفة خاصة بها ورومانسية دون افتعال بل بلطافة تامة تعكس الانسجام بين كل عناصرها.

من بين الأغاني التي صدرت هذا العام وتستحق التوقف عندها، تبرز أغنية "حب إيه يا حسرة" لكارمن سليمان، التي استطاعت أن تترك انطباعًا لافتًا بفضل إيقاعها المستلهم من الروح الخليجية لكن بكلمات مصرية خالصة. كتب الأغنية ولحنها عزيز الشافعي ووزعها موسيقيا توما، الذي أغنى التوزيع بإدخال آلات حية منها الطبلة والجيتار مما منح العمل ثراء صوتيا ملموسا.

تدور الأغنية في قالب درامي ساخر وترافق صدورها مع فيديو كليب بسيط ارتكز على تعبيرات وجه كارمن، مما أتاح لمساحة الأداء التعبيري أن تتصدر المشهد. وتلفت الانتباه لازمة الأغنية في مقطعها الثاني: "هاي .. أنا ضعت منك… باي" وهي جملة تذكرنا بلغة منشورات السوشيال ميديا التي كانت ترند منذ فترة.

كارمن قدمت أداء متزنًا دون مبالغة أو افتعال، وكانت هذه أولى الأغاني الصادرة من ألبومها الجديد في يوليو الماضي مما منحها زخم الانطلاقة. غير أن العمل برغم جمالياته  كان من الممكن أن يكتسب طابعاً أكثر حيوية لو قُدم كحوار غنائي أو دويتو مع فنان آخر يرد على كلماتها، ما كان سيضيف بعدا دراميا وتفاعليًا أكبر. ومع ذلك تبقى الأغنية تجربة لطيفة ومُنعشة ضمن مسيرة كارمن، وتفتح الباب أمام الفنانة الشابة لمزيد من التجريب والابتكار في أعمالها المقبلة.

اختارت كارمن سليمان أن تحمل أغنيتها "أصح غلطة"عنوان ألبومها الأخير، وقد صدرت الأغنية كآخر محطات الألبوم في توقيت متأخر نوعًا ما، وهو خيار يبدو أقل توفيقًا إذ كانت هذه الأغنية قادرة على أن تشكل افتتاحية قوية وجاذبة لاهتمام المستمع.

في الفيديو المصاحب للأغنية تظهر كارمن جالسة بمفردها داخل غرفة، في مشهد ساكن تسترجع فيه لحظة انفصال مؤلمة، تبدأها بعبارة تنقل كلام الطرف الآخر قبل الفراق، قبل أن تنتقل إلى وصف مشاعرها الراهنة من موقع القوة والوضوح. الرسالة الأساسية للأغنية تأتي صريحة ومباشرة: قرار الانفصال الذي قد يراه البعض غلطة كان في نظرها أصح قرار اتخذته، بل "أصح غلطة" أنقذتها من علاقة مؤذية.

صوت كارمن في هذا العمل يلعب دور البطولة دون منازع، مدعومًا بأداء درامي متماسك. لكن ما يميز الأغنية أيضًا هو التوزيع الموسيقي المميز لماهر الملاخ، الذي اعتمد على فواصل حادة من الجيتار الإلكتروني مستلهما من روح موسيقى الروك لخلق توتر عاطفي يخدم النص ويلامس أعماق المستمع.

كتب كلمات الأغنية أحمد المالكي ولحنها زوج كارمن، الملحن والمنتج الموسيقي مصطفى جاد، الذي ترك تعليقًا على الأغنية عبر يوتيوب يقول فيه: "من أهم ألحاني للنجمة كارمن سليمان .. متأكد هتعجبكوا جداً" وكأنه يراهن عليها على وجه الخصوص. وبالفعل، نجح ثلاثي الكلمات والألحان والتوزيع في صناعة عمل متكامل، كان نقطة مضيئة في الألبوم. 

تُعد أغنية "فيك حيل تكدب" واحدة من أكثر المحطات تأثيرًا في ألبوم كارمن ليس فقط من حيث مضمونها الدرامي، بل أيضًا من حيث الصورة البصرية والصوتية التي رافقتها. منذ اللحظة الأولى يلفت الانتباه لوك كارمن في الفيديو كليب بمكياج درامي يتناغم تمامًا مع مزاج الأغنية، حيث ارتكز الكليب على تعبيرات وجهها دون الحاجة إلى حبكة مصورة معقدة.

أما الأداء الصوتي فكان مغايرًا لما اعتدناه منها من رقة وانسابية وتعريب، بل جاء قويًا متماسكًا ومشحونًا بالعاطفة في آن واحد. أبدعت كارمن في تقديم الأغنية بطبقات صوتية متصاعدة عززت من تصاعد لحن أدهم الجزار، الذي يحمل توترًا داخليًا مدروسًا، يتماهى مع الكلمات التي وضعتها سارة فراج ومع الرسالة التي تقدمها من خلاله.

  اشترك في كتابة هذه القائمة كل من نورهان أبو زيد وهلا مصطفى وعمر بقبوق.