رغم أن الكلاسيكية كانت عنوانًا لبداياتها، إلا أن مسيرة أنغام لم تخل من تجارب تعكس تطورًا موسيقيًا في شخصيتها الفنية عبر مراحل مختلفة.
في فترة مبكرة للغاية من حياتها، تمردت أنغام على الشكل الذي قدمها به والدها الموسيقار محمد علي سليمان. ولم تكتف بالتطوير على مستوى الكلمة، بل راحت تتنقل بين قوالب وتوزيعات غربية منحت مسيرتها ثراء وعمقًا موسيقيًا، ورغبة في مواكبة العصر.
تمرد بطعم الفلامنكو
في منتصف التسعينيات أطلقت أنغام ألبوم "بقولك إيه"، الذي ضم سبع أغاني أغلبها من اللون الكلاسيكي الطربي الذي عُرفت به، لكنها خرجت عن هذا النمط في أغنية "لو حسيت" من كلمات ناصر رشوان ولحن أمير عبد المجيد وتوزيع طارق حمودة، حيث قدمت لأول مرة قالب الفلامنكو الإسباني.
لم تلقَ التجربة رواجًا لدى جمهورها الذي انتظر منها الاستمرار في تقديم نفس الكلاسيكيات، لكنها عبَّرت عن توجه جديد تسعى من خلاله للتجريب مع الموسيقى الإسبانية التي بدأت تنتشر في البوب المصري عبر تجارب لعمرو دياب وحميد الشاعري وتحديدًا في أغنية "ويلوموني".
الفولكلور على إيقاع الفانك
لا شك أن تعاون أنغام مع الموزع الموسيقي فهد حقق نقلة موسيقية كبيرة في مسيرتها، وتحديدًا في تجربتهما الأولى بأغنية "وحدانية" التي صدرت عام 1999 في ألبوم حمل نفس الإسم.
اتجهت أنغام لأول مرة نحو الفولكلور الريفي المصري، من كلمات عصام عبد الله ولحن أمير عبد المجيد، وشاركتها الغناء المطربة الشعبية فاطمة سرحان. إلا أن عبقرية فهد تمثلت في مزج هذا اللحن الفولكلوري بإيقاعات الفانك ذات الباص جيتار القوي، وزخرفها بصولوهات تتراقص بين آلات النفخ النحاسية وتقاسيم القانون والعود والطبلة.
في ذات الألبوم قدمت أيضًا أغنية "بتحبها ولا؟" من كلمات بهاء الدين محمد ولحن رياض الهمشري وتوزيع أشرف محروس. ورغم تصدر الموضوع التي تطرحه الأغنية للمشهد، جاء الشكل الموسيقي مفاجئًا هو الآخر، حيث جمع محروس من خلاله بين الروك والبوب مع روح شرقية عبرت عنها صولوهات الأكورديون ونغمات القانون والعود.
الانطلاقة نحو اللاتين بوب
في مطلع الألفية، احتلت موسيقى اللاتين بوب المشهد الغنائي المصري. يرجع الفضل في ذلك للموزع الكبير طارق مدكور، الذي نقل هذا الشكل العالمي إلى الأغنية المصرية، فحقق نجاحات كبيرة مع عمرو دياب في "قمرين"، و"تملي معاك"، معتمدًا على مزيج من أصوات الجروفز الإلكترونية والجيتارات الإسبانية.
ذهبت أنغام لمواكبة هذا الشكل في ألبوم "ليه سبتها؟"، فبدأت بشكل أقرب لهذا الطابع في أغنية "سيدي وصالك" التي لحنها شريف تاج ووزعها طارق عاكف، ولكنها مالت إلى دمج اللاتين بوب بالموسيقى الشرقية، حيث استخدم عاكف أصوات المزمار والفلوت من الكيبورد، وعزف بها فواصل موسيقية شرقية، مبتعدًا عن استخدام المؤثرات الإلكترونية قدر الإمكان.
لكن أنغام في نفس الألبوم قدمت أغنية "ليه سبتها" من توزيع طارق مدكور وكلمات بهاء الدين محمد ولحن شريف تاج، فبدت أقرب لأغنية "أنا أكتر واحد بيحبك" وكذلك أغنية "لو بينا إيه" لشيرين وجدي كنماذج واضحة لهذا القالب.
الألبوم نفسه ضم أيضًا أغنية "حبيتك ليه" كلمات نادر عبد الله ولحن شريف تاج وتوزيع أشرف محروس، الذي قدمها في قالب موسيقى السالسا اللاتينية.
فالس رجعنا في كلامنا!
تنقلت أنغام في مطلع الألفية بين أشكال موسيقية غربية عديدة، وكان للموزع فهد –زوجها في تلك الفترة- بصمة واضحة في هذا التطور والتأثر. ففي ألبوم "عمري معاك" الصادر سنة 2003، قدمت تجارب موسيقية استثنائية أبرزها أغنية "رجعنا في كلامنا" من ألحان تامر علي وكلمات نادر عبدالله. تميز هذه التجربة يكمن في صياغة فهد للأغنية في قالب الفالس الشهير، الذي عرفه المستمع العربي عن قرب من أغنية "قلبي دليلي" للراحلة ليلى مراد. ورغم ندرة استخدامه في الموسيقى المصرية الحديثة إلا أن أنغام أعادت إحيائه بجرأة تُحسب لها.
التجريب في الموسيقى الإلكترونية
تجدد أسماء الموزعين الموسيقيين في رحلة أنغام عكس فهمًا واضحًا منها لتطورات الموسيقى ومتطلبات كل مرحلة، لهذا اتجهت للتعاون مع الموزع حسن الشافعي في ألبوم "نفسي أحبك" عام 2009، ولكنهما عادا ليقدما تجربة أكثر جرأة في ميني ألبوم "محدش يحاسبني" الصادر عام 2010 . ضم الألبوم ثلاث أغنيات فقط لكنها مثلت ثلاثة أشكال موسيقية مختلفة؛ حيث الرومبا فلامنكا في "عايشة حالة"، والهاوس في أغنية "ليالي"، والديسكو/بوب في أغنية "محدش يحاسبني"، التي مزج فيها الشافعي إيقاعات الديسكو والبوب الثمانيناتي، وأضاف لها فواصل موسيقية بآلة الربابة التراثية، وظهر صوت أنغام لأول مرة مدمجًا بمؤثرات إلكترونية في الكورال فبدت وكأنها "فيوجن" غير مسبوق.
أحلام الجاز البريئة
بعد خمس سنوات من هذه التجربة أصدرت أنغام ألبوم "أحلام بريئة" (شتاء 2015). ورغم أن الألبوم ضم قائمة من الأغنيات القوية ذات الموضوعات الدرامية إلا أنها اختارت الأغنية الوحيدة التي تنتمي لموسيقى الجاز لتسمي الألبوم باسمها.
"أحلام بريئة" من كلمات أمير طعيمة ولحن شريف بدر وتوزيع أحمد رجب، لكنها بدت وكأنها مقطوعة موسيقية قادمة من عالم زياد الرحباني وتجاربه البارزة في موسيقى الجاز؛ إيقاع هادئ اعتمد على كوردات البيانو وتفعيلات الجيتار الإلكتروني، وفي خلفيتهما يسير إيقاعا البركشن والدرامز في تناغم ساحر.
رحلة طويلة وقائمة متخمة بالأغاني التي تكشف وجهًا موسيقيًا من شخصية أنغام الفنية، والتي لم تكتف بكونها مطربة ترتكن إلى الموسيقى الشرقية والكلمات العميقة بل تغامر بتجارب تواكب التطورات الموسيقية العالمية وتحلق بصوتها نحو مناطق يخشى كثير من المطربات السباحة في أمواجها.