هل يمكن أن يتسبب النجاح الساحق لأغنية واحدة في تعطيل مسيرة صاحبها لأكثر من 20 عامًا؟ سؤال يفرض نفسه كلما مرَّ بنا كليب "هما مالهم بينا يا ليل" للمطرب هيثم سعيد.
في عام 2005، فوجئ متابعو قنوات الفيديو كليب بمُغنٍ شاب يظهر مع موديل محجبة، وهما يعيشان قصة حب أعلى كوبري قصر النيل بالقاهرة. كليب بسيط حاول من خلاله المخرج شريف صبري أن يقدم ثنائيًا يُشبه شباب وفتيات هذه المرحلة. أثار الكليب جدلًا واسعًا وعرف الجمهور هيثم سعيد باعتباره أول مطرب يُقدِّم موديل محجبة في أغنية.
لكن الناس ظلوا يتساءلون: من هو هيثم سعيد؟
بدأ هيثم رحلته مع الأضواء كموديل إعلانات مطلع الألفية، ولأنه مُحب للموسيقى والغناء، التحق ببرنامج اكتشاف المواهب الشهير "سوبر ستار". لم يفز باللقب، لكنه قدّم نفسه كموهبة تستحق الفرصة في مرحلة كانت شركات الإنتاج تفتح أبوابها على مصاريعها بحثًا عن أصوات جديدة.
في هذه الفترة، قرر رجل الأعمال نجيب ساويرس تأسيس شركة إنتاج موسيقي باسم "إي برودكشنز"، كجزء من شركة "موبينيل"، لتقديم المواهب الجديدة، وتلاقى طموحه مع أفكار المخرج شريف صبري، مُكتشف الفنانة روبي، فأنتجا لهيثم سعيد (الذي لم يُتم عامه العشرين) أغنية "هما مالهم بينا يا ليل"، التي طُرحت كفيديو كليب عُرض حصريًا على قناة "ميلودي" المملوكة لرجل الأعمال جمال مروان.
ضريبة الشهرة السريعة!
بعدها بعام، صدر الألبوم الأول لهيثم سعيد بعنوان "مش بس كلام"، من إنتاج مشترك بين "ميلودي ميوزيك" و"موبينيل"، وضم ثماني أغنيات تعاون فيها مع مجموعة من أشهر الشعراء والملحنين والموزعين مثل: محمد يحيى، أمير طعيمة، رياض الهمشري، محمد نور، تامر علي، هاني يعقوب، وأحمد إبراهيم.
نجاح الألبوم كان هادئًا مقارنةً بالجدل الذي أثارته "هما مالهم بينا يا ليل". حتى فيديو كليب أغنية الألبوم الرئيسية "من يوم" لم يحقق نفس النجاح.
حاول هيثم أن يتبع الألبوم بأغنية "سنجل" تحقق انتشارًا أكبر، فأصدر أغنية "عليك عيون"، التي حققت انتشارًا جيدًا ونسب استماع مرتفعة لفترات طويلة. لكنه ظل يفكر في نجاح أكبر من انطلاقته الأولى مع الفتاة المحجبة فوق كوبري قصر النيل!
هنا بدأت عُقدة "مطرب الأغنية الواحدة" تطارد هيثم، واستمرت محاولاته للهروب من هذا الشبح، حتى ألبومه الثاني "لإمتى" الذي صدر عام 2011.
رغم تعاونه في هذا الألبوم مع أسماء شهيرة في البوب المصري، مثل الشاعرين جمال الخولي وخالد تاج الدين، والملحنين عمرو طنطاوي ورامي جمال، إلا أن توقيت طرحه وسط الاضطرابات السياسية التي عاشتها مصر لم يكن موفقًا. فزادت العُقدة التي أثرت على هيثم ودفعته للانسحاب من المشهد، والانتقال للعيش في لبنان، والزواج، والتفرغ لحياته الشخصية.
حياة جديدة أم هروب من الإحباط؟
نجاح أغنية "هما مالهم بينا يا ليل" الكبير "عمل لي أزمة شخصية"، هكذا علّق هيثم في لقاء سابق على قناة "القاهرة والناس". "ما بعتبروش نجاح ليا.. ده نجاح للأغنية". ظل هذا الشعور يتزايد -بحد تعبيره- مع كل أغنية جديدة يطرحها، إلى أن قرر الابتعاد وإعادة تقييم تجربته كمطرب. يقول: تزوجت، وبنيت حياة خاصة هادئة، وبحثت عن فرص أخرى في لبنان كممثل وكاتب سيناريو.
سبع سنوات كاملة قضاها هيثم سعيد في لبنان هروبًا من شبح الأغنية الواحدة، استثمر خلالها مواهبه الأخرى، خاصةً أنه مثّل من قبل في فيلمي "شباب على الهوا" (2002)، و"رامي الاعتصامي" (2008). شارك في مسلسل "عشق النساء" مع باسل خياط ونادين نسيب نجيم (2014)، ثم مسلسل "قصة حب" مع نادين الراسي وماجد المصري (2015). ووسط كل هذا احترف كتابة السيناريو – على حد قوله – وشارك في كتابة بعض الأعمال اللبنانية ضمن ورش كتابة.
قول للزمان ارجع يا زمان!
في عام 2018، قرر هيثم العودة إلى مصر واستعادة مشروعه الغنائي، بعد تغيرات جوهرية ضربت المشهد الموسيقي، لا سيما مع انتشار ثقافة الأغنية "السنجل". فطرح أغنية ""500 سكة" وأعلن أنها افتتاحية لألبوم جديد، لكنه لم يصدر.
وفي 2020، بدأ تعاونه مع شركة "وَتَري" وطرح أغنية "تفتح الشباك"، كلمات سلمى رشيد وألحان أحمد برازيلي. كانت تجربة واعدة، لكنها بدت بعيدة عن الذوق السائد وقتها، وكأنها قادمة من حقبة الألفينات "الهادئة". تلتها محاولات جيدة موسيقيًا في أغنيات مثل "بحبك بقى" و "جديدة لانج" التي خاطب بها جمهور المهرجانات بشكل مباشر، لكنها لم تتجاوز الـ24 ألف مشاهدة على يوتيوب!
حتى العام الماضي، استمر هيثم في المحاولة، فتعامل مع شركة "لايف ستايلز ستوديوز" وقدم أغنية "سكاكينو"، كلمات عليم وألحان يوحنا فيكتور، إلا أنها منحت المتلقي إنطباعًا بكونها أغنية لإثبات الحضور فقط لا النجاح. محاولات تليها محاولات، وفي كل مرة يبدو أن حبل العلاقة بين هيثم سعيد والمستمع قد انقطع منذ زمن. بدا وكأنه مطرب جديد يقدّم نفسه لجمهور لا يعرفه وبلغة لا تواكب إيقاعه، بعدما تغيرت مفردات صناعة المُغني شكلًا ومضمونًا. لم تعد الوسامة ورقة رابحة، وأصبح الصوت الرقيق نقطة ضعف بين صخب مؤدي المهرجانات وخشونة أصوات الهيب هوب وتطور مطربي البوب المستمر.