برحلة تمتد لأكثر من عقد كامل شكّل الفنان أمينوكس حضورًا فنيًا يوازن بين التجريب الموسيقي غير المحدود والانتماء لثقافته الأولى في المغرب. ركّز منذ بداياته على التعبير عن المشاعر الشخصية والقصص اليومية بأسلوب قريب من المستمع، مبتعدًا عن الصيغ المألوفة والمقاطع المستهلكة في المشهد.
قدّم موسيقى تمزج بين الآر-أند-بي والتأثيرات المحلية، وابتكر جسرًا بين البساطة العاطفية والابتكار الصوتي، ما منح كل إصدار له هويته الخاصة. مع تطور مسيرته، تحوّل مشروعه الموسيقي إلى مساحة للتفاعل بين الإيقاعات الجديدة والإيقاعات الشعبية، متماهية مع البوب المغاربي، ومعززة برؤية سينمائية واضحة في كليباته الأخيرة.
البدايات الأولى في الآر-أند-بي المغربي
أطلق أمينوكس سنة 2013 أولى أغانيه "طفات الشمعة"، وصاغ فيها أسلوبه المختلف ضمن المشهد وبنى على أساسها صوته الذي يمزج بين الآر-أند-بي وطابعه الشخصي المغاير. جذب هذا الإطلاق الأنظار إليه، فرغم بساطة الكلمات، حملت الأغنية لمسة نوستالجية تحدثت عن الطفولة والبعد الشخصي والنفسي في حياته. انتشرت الأغنية بسرعة في المغرب، وتناقلها الناس عبر البلوتوث والمشاركات الخاصة، بينما انتظر الجمهور بفضول ما سيقدمه أمينوكس بعد ذلك.
توالت بعدها إصدارات أمينوكس المنفردة، مثل أغنية "أنا وياك"، التي تحولت إلى هيت في المشهد المغربي. دمج فيها تقنيات الغناء الآر-أند-بي، بما في ذلك استخدام الجمل اللحنية المتكررة، التلاعب بالإيقاع الصوتي، والتنويع بين النبرة العالية والمنخفضة، ما أتاح له استعراض طبقات صوته وإظهار مرونته التعبيرية.
حافظ أمينوكس على بساطة أسلوبه وكلمات أغانيه، رغم أن مشاهدات أغنيته "ما كاين ما" عام 2016 وصلت إلى الملايين. ساهمت هذه الطريقة في ترسيخ حضور الآر-أند-بي المغربي، إذ أظهرت الأغاني كيف يمكن دمج هذا النوع الموسيقي ضمن الثقافة المحلية، دون أن تفقد الأغنية روحها البسيطة والعاطفية، كما ساعدت في تمييز أمينوكس عن غيره من الفنانين الشباب الذين كانوا يعتمدون على الأنماط السائدة في البوب والشعبي.
تعزيز الحضور الجماهيري بعد التأسيس
ساهمت مشاركات أمينوكس في مهرجان موازين إيقاعات العالم في ترسيخ مكانته كأحد أبرز وجوه الموسيقى المغربية المعاصرة. كانت أولى مشاركاته في نسخة 2016، ما ساعده على بناء قاعدة جماهيرية مباشرة وتعزيز حضوره على المسرح. عاد لاحقًا إلى المهرجان في نسخة 2018، وقدم عرض أكثر نضجًا وحضورًا، وشكلت هذه التجربة محطة مهمة في مسيرته، إذ ساهمت في توسيع جمهوره وجعلته أحد الفنانين الشباب المنتظرين في كل نسخة من المهرجان.
في إحدى مقابلاته مع مومو على هيت راديو، تحدث أمينوكس عن أسلوبه المختلف، موضحًا كيف يسعى دائمًا لتقديم موسيقى قريبة من المشاعر الشخصية، مع الحفاظ على بساطة الكلمات وإيقاع يسهل على الجمهور التفاعل معه.
وقد واصل إصداراته المنفردة بأغنية "مكتسالاش"، التي اتجه فيها إلى إيقاعات إفريقية. كتب كلمات الأغنية بنفسه، معبّرًا عن مشاعر شخصية مثل الحب والفقدان بأسلوب مباشر وسهل التفاعل، محافظًا على بساطة أسلوبه المعتاد وواصل جذب جمهوره. تبع ذلك بإصدارات مثل "وصاتني يما" و"أنا ديالك"، ولم يترك فرصة أو وقت دون أن يكون حاضرًا، رغم غيابه لفترة قصيرة بسبب المرض، ليعود بعدها ويستأنف نشاطه الفني بقوة.
مرحلة جديدة من تطوير الصوت
في عام 2023، واصل أمينوكس تطوير البوب المغاربي مع أغنية "نهارك"، معتمدًا على دمج الإيقاعات الحديثة مع الإيقاعات الشعبية التقليدية، مع الحفاظ على روح الآر-أند-بي التي تميز أسلوبه منذ بداياته. استخدم طبقات متنوعة تشمل الجمل اللحنية المتكررة والتلاعب بالنغمات والإيقاع الصوتي. حافظ على بساطة أسلوبه مع لمسات مستوحاة من الحياة اليومية والثقافة الشعبية، ليقدّم نسخة جديدة تتماشى مع التطورات الموسيقية دون أن تفقد هويته.
أطلق أمينوكس في كليباته الأخيرة رؤية بصرية تركز على السرد والمشاهد اليومية، مستغنيًا عن ظهوره الشخصي المباشر، ما يسمح للمشاهد بالانغماس في الأغنية بالكامل. صاغ كلمات أغنيته الأخيرة "زياش" ولحنها بنفسه، بينما تولّى يوسف أصواري الإخراج في الدار البيضاء بأسلوب يحوّل الكليب إلى تجربة سينمائية قصيرة تنقل المشاعر العاطفية للأغنية.
جاءت الأغنية ضمن ألبومه القادم "أورا"، وقدم الجزء الأول بعنوان "الوجه الأسود" في نوفمبر/تشرين الثاني، مع خمس أغنيات منها "مألوف" و"توكسيك". بينما يحضر لإصدار الجزء الثاني "الوجه الأبيض" في بداية العام القادم، مع تعاونات مرتقبة مع ميتر جيمس والفنان المصري فارس سكر.
قدّم أمينوكس نموذجًا لفنان يمزج بين الابتكار الموسيقي والارتباط بالثقافة المحلية، مستفيدًا من مسار طويل أسّس خلاله حضورًا قويًا في المشهد المغربي. كتب ولحن أغانيه بنفسه، ما منح كل عمل هويته الخاصة وقدرة على التعبير عن تجربة جيله. وساهم بشكل واضح في تطوير البوب المغربي ضمن الموجة الجديدة، ومع اقتراب صدور ألبومه الطويل، يبدو أن الجمهور على موعد مع مفاجآت جديدة تعكس تطوره المستمر.






