عاد دراغانوف ليقدّم أغنية "طاش"، حيث يستند إلى إرث الراي ويعيد توظيفه ضمن رؤية موسيقية وبصرية متجددة. في هذا العمل، يقدّم تجربة تمزج بين اليومي والرمزي، وبين صور من الذاكرة الشعبية واستعارات تحاكي واقع الأحياء المكتظة. بذلك يفتح "طاش" مساحة للتأمل في كيفية استمرار موسيقى الراي في التجدّد، دون أن تفقد ارتباطها بالبيئة التي نشأت منها.
ما سبق "طاش"
عاد دراغانوف إلى الإصدار في بداية 2025 بعد غياب دام نحو عام. أطلق الألبوم القصير المزدوج "أقراص x سايكو"، الذي ضم أغنيتين صدرتا سويًا وفيديو كليب موحّد. غاص في عمق النفس البشرية، واستكشف مواضيع الصحة العقلية، رحلة التعافي، والصراعات الداخلية.
أصدر لاحقًا أغنيتيه "بون كوراج" و"كودورو" مع رامون. دخلت الأغنيتان قائمة بيلبورد عربية هوت 100، ليثبت حضوره في المشهد الموسيقي المغربي والعربي. استخدم في الأغنيتين عينات من الآلات الحيّة لإضافة ديناميكية وحركة على الإيقاعات، بينما عبرت الكلمات عن الهوية والذات بنبرة مباشرة وواقعية.
اتجه دراغانوف بعد هذه التجارب إلى تراك راي، وهو ما ليس غريبًا على متابعيه، خاصةً وأنه لطالما صرّح بتأثره بهذا النوع وقربه منه نظرًا لأن ينحدر من مدينة وجدة الحدودية مع الجزائر. كما استشهد بالشاب حسني في أكثر من إصدار سابق مثل "عدابي" في 2023، والتي حققت مراكز متقدمة على قوائم بيلبورد.
استخدم في أغنية "طاش" صوت الراي الحقيقي، حيث تابعنا في الفترة الماضية موجة انتشرت في المشهد المغربي، يدمج فيها الفنانون صوت الراي مع تقنيات إنتاجية تقارب الهيب هوب، كما فعلت منال في "مهبولة" وغيتة الوجدية في "شوفات".
قبل حوالي ثلاثة أسابيع من طرح أغنية "طاش"، نشر دراغانوف عبر حسابه على إنستجرام مقطع الفيديو الشهير للممثل والمغني محمد خسّاني من المسلسل الرمضاني "أخو البنات"، وهو يؤدي ما بات يُعرف بـ "الرقصة الأسطورية". سرعان ما أعاد الجمهور تداول هذا المقطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقًا في معظم الأحيان بأغاني من الراي، حتى أصبح جزءًا من موجة رائجة. استثمر دراغانوف هذا الانتشار وأعاد توظيف المقطع مع أغنيته الجديدة، كإعلان مبكر عن الإصدار المرتقب.
لكن مع صدور الكليب، ظهر أن دراغانوف لم يكتفِ بالاقتباس، بل استعان بخسّاني نفسه ليعيد أداء الرقصة، تحت يافطة كُتب عليها "اشطح" أي "ارقص". في الوقت نفسه جلس دراغانوف وسط مشهد بصري يحاكي أسطح وجدة الشعبية، حيث تنتشر صحون الدش أو الساتالايت، وتُستخدم هذه المساحات كمكان يجتمع فيه الشباب للدردشة والتدخين والهروب من الروتين اليومي. كما جلس فوق عمود مرتفع من كراسي المونوبلوك البيضاء، وإلى جانبه ماكينة القهوة، في صورة تستحضر تفاصيل الحياة اليومية.
حكم أولي
بنى دراغانوف أغنيته على ثيمات راسخة في الذاكرة الجماعية للراي، واستحضر الحنين إلى الحب الضائع، وحوّل الألم الشخصي إلى طاقة غنائية مشتركة. كرّر عبارة "ها راي ها راي" وأعاد تقليد الهتافات الارتجالية التي كان يطلقها مغنو الراي في الحفلات لإشعال الحماس الجماعي.
قدم كلمات توازن بين البساطة المباشرة والعمق الرمزي، وانطلق من صور يومية مألوفة مثل الرغبة في الحرية أو الهروب من قيود الواقع، ثم صاغها داخل إطار يجمع بين الحنين والاحتجاج. غنّى بصوت مثقل بالشجن، واستحضر مفردات السفر والبحث واللهو، ليحكي عن حالة وجودية أوسع مرتبطة بشباب الراي عبر العقود: شباب يبحث عن فضاء يعبّر فيه عن ذاته بلا قيود.
حمل الإنتاج الموسيقي بصمة دراغانوف مع جاي مروان الذي شاركه العمل. لكن الموسيقى بدت وكأنها تخدم الحالة البصرية أكثر مما تسعى إلى إبراز لحن مستقل، إذ غابت الجمل اللحنية البارزة للكيبورد التي اعتدنا حضورها في أغاني الراي التقليدية، لتحل مكانها خطوط لحنية مقتصرة على خلفية الإيقاع. هذا الاختيار جاء لصالح الإيقاع الذي مُنح مساحة أوسع مع تفخيم الضربات وإبرازها، ما جعل الرتم ملائمًا للرقصة التي يؤديها خساني.
يمكننا القول أن تجربة "طاش" أثبتت مجددًا أن موسيقى الراي ليست فقط إرث فني متناقل، بل لون شعبي حيّ ومازال يملك القدرة على التجدد والتطور. وهذا ما كشفته رؤية دراغانوف الإبداعية أن هناك مساحة واسعة ليواصل الراي تطوره على أيدي جيل جديد من الفنانين.