أصدر الرابر التونسي سمارا -المحتجز حالياً على ذمة التحقيق في قضية ترويج للممنوعات- أحدث أغاني ألبومه الجديد، وهو ما دفعنا للتفكير في أمثلة أخرى لفنانين لم تتوقف أغانيهم عن الصدور حتى وهم خلف القضبان. ليس الغرض هنا تمجيد أو الحكم على أي منهم، ولكنها محاولة لتسجيل هذه الظاهرة المثيرة للاهتمام.
لربما كانت فكرة انتشار أغاني من داخل السجون أكثر شيوعاً في الماضي. في عالمنا العربي، كانت الموسيقى والأغاني والأشعار أفعال مقاومة يمارسها المبدعون في الأسر ضد الاستعمار. من بين أبرز الأمثلة على ذلك أغنية "يا المنفي"، التي كان يرددها ثوار جزائريون ضد الاستعمار الفرنسي في نهايات القرن التاسع عشر. نقلها بعض ممن تمكنوا من العودة إلى بلادهم، ورددها فنانون شعبيون لعقود، قبل أن يعيد رشيد طه تقديمها بالنسخة المعاصرة.
في حالات أخرى، ولدت قصائد كثيرة من غياهب السجون، وتحولت بعد سنوات على نشرها إلى قصائد مغناة، كما في أغنية "أحن إلى خبز أمي" التي كتبها الشاعر الفلسطيني محمود دوريش بعد زيارة والدته له حين كان معتقلًا في سجون الاحتلال وغنّاها مارسيل خليفة لاحقاً.
في القائمة التالية أمثلة أحدث -نسبيًا- عن أغاني صدرت وقت احتجاز صنّاعها.
سمارا - Modda
أحدث أغاني هذه القائمة صدرت قبل أيام بصوت سمارا بعنوان "Modda". لم يكن واضحًا إن كانت قد سجلت في وقت سابق لحبسه، أم أنه سجلّها داخل السجن، خاصة وأن الكلمات تحدثت عن شوقه لمنزله ورفاقه، ولكنها صدرت كثاني أغاني ألبومه، الذي قطع الاعتقال صدوره.
الرابر الأكثر شعبيةً في تونس وشمال أفريقيا محتجز منذ ثلاثة شهور على ذمة التحقيقات في تهم الترويج للممنوعات. وكان سمارا قد واجه التهمة نفسها قبل حوالي ثماني سنوات، واحتجز في إثرها لمدة قبل أن يخرج ويستكمل نشاطه الفني بقوة، في الإصدار وفي الحفلات.
دنيا بطمة - تفكرت لميمة
الفنانة المغربية التي عرفها العالم العربي بعدما سمع صوتها في برنامج مواهب قبل 15 عامًا، حظيت حتى الآن بمسيرة إشكالية إلى حد ما. شاركت تفاصيل حياتها الشخصية والعائلية وعلاقتها بزملائها في الوسط الفني دومًا على الملأ وأمام عدسات الإعلام، حتى طغى الاهتمام بدراما دنيا بطمة على فنها.
ثم جاءت أزمة قضية حساب "حمزة مون بيبي" لتهز أركان حياتها. واجهت الفنانة الشابة اتهامات بإحداث حساب سوشال ميديا مجهول الهوية للتشهير بزملائها الفنانين. أدانتها المحكمة وانتهت القضية بحبسها لمدة عام لتخرج في مارس 2025.
خلال مدة محكوميتها، سمعنا بصوتها أغنية "تفكرت لميمة"، وقد صدرت لصالح فيلم سينمائي مغربي/ تركي من بطولتها بعنوان "البوز" تم تصويره في وقت سابق. لكن الترويج للأغنية تمحور حول دنيا وقضيتها، فصدرت في عيد الأم 2024 مرفقة مع تعليق بالدعاء لها في سجنها: "حسبي الله ونعم الوكيل فلي كان سبب في فراقك على ميمتك وعلى بنياتك لي محتاجين ليك ويارب تخلي ليكم امهاتكم".
عصام صاصا - أنا مش غايب عشان أعود
صاحب الرقم القياسي في هذه القائمة، والفنان الأكثر نشاطًا فنيًا خلال قضائه فترة محكومية هو مغني المهرجانات عصام صاصا. قضى الفنان الشاب حكمًا بالسجن لمدة ستة أشهر نتيجة حادث سيارة في بداية العام 2024، أدين في إثره صاصا بالقيادة تحت تأثير الممنوعات إلى جانب إدانته بتزوير توكيل شهر عقاري لأحد المحامين.
وتم إخلاء سبيل صاصا بعد انقضاء مدة عقوبته في فبراير 2025، وفي جعبته 6 مهرجانات صدرت أثناء سجنه، أبرزها "أنا مش غايب عشان أعود" و"اشبعوا مني أنا يمكن أموت". بل وتمكن من حصد اثنتين من جوائز بيلبورد عربية، إذ فاز ضمن فئتي "فنان المهرجانات الأول" و"أفضل فنان مهرجانات" عن أدائه على قوائم بيلبورد عربية طوال أسابيع العام 2024.
كافون - حوماني
في بداية صعود مسيرته في عالم الراب، قضت محكمة تونسية في 2013 بسجن وتغريم كافون بتهمة استهلاك القنب الهندي. وخلال فترة العام التي قضاها في السجن قبل خروجه بعفو، أصدر صديقه حمزاوي مد أمين تراك "حوماني" الذي اشترك فيه بالأداء مع كافون. انفرجت شعبية التراك في الأشهر القليلة التالية، وحصد في فترة قياسية ملايين الاستماعات على يوتيوب.
الأغنية التي تحدثت عن أحوال الشباب في الأحياء الشعبية الفقيرة، وتوقيت صدورها بالتزامن مع سجن كافون، تسبب حينها في إطلاق حقوقيين تونسيين لحملة طالبت بتعديل القانون الذي يفرض عقوبات بالسجن على مستهلكي القنب الهندي. أما كافون فحافظ بعد خروجه من السجن على نشاطه الفني الكثيف، وحافظ على شعبية كبيرة عبر السنوات، وقدّم العديد من الهيتات التي حققت عشرات ملايين الاستماعات.
الليلة يا سمرا - محمد حمام
ارتبط نشاط فؤاد حداد الكتابي بالشعر مع فترات اعتقاله السياسية بين الخمسينيات والستينيات. في عام 1962 وخلال يوم من أيام الاعتقال الطويل، أراد الشاعر أن يهدي قصيدة لصديقه زكي مراد والقابع معه في السجن هدية بمناسبة عيد ميلاده، وتصادف أيضاً حضور كل من الملحن أحمد منيب والمغني محمد حمام في الزنزانة، فتحولت القصيدة إلى أغنية بالنكهة النوبية.
قرر محمد حمام بعد خروجه من السجن تسجيل الأغنية في الإذاعة المصرية، وهكذا خرجت النسخة الأولى بصوته على إيقاعات الدف، مطعمة بلكنته النوبية. وأعاد الكينغ محمد منير تقديمها بصوته بعد مدة، وعرفت معه انتشارًا جماهيريًا كبيرًا.
اتجمعوا العشاق في سجن القلعة - الشيخ إمام
كانت ثنائية الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم من أبرز تجارب الأغنية السياسية في مصر خلال القرن الماضي. لكن شهرة الثنائية أوقعت الكثيرين في لغط حول هوية كاتب كلمات أغنية "اتجمعوا العشاق في سجن القلعة"، وهو الشاعر زين العابدين فؤاد. صحيح أن الشاعر كتبها حين اجتمع بأحمد فؤاد نجم في السجن، لكن الشيخ إمام كان خارجه حينها، وعرف زين العابدين أنه يريد لكلماته أن تغنى مباشرةً، فعمل على تسريبها خلال فترة سجنه، إلى أن نجح في ذلك.