بطبيعتها، ظلت المهرجانات لسنوات طويلة بعيدة عن عالم الصورة، مجال رواجها الأساسي هو التكاتك والميكروباصات وغيرها من وسائل المواصلات الشعبية. لكن في السنوات الأخيرة شهدت الجنرا طفرة في صناعة الكليبات، أكملت الرؤية الموسيقية الخاصة برؤية بصرية تختلف مع السائد أحيانًا وتتشابه معه في أحيان أخرى. وكانت النتيجة قطاعًا متنوعًا من الأساليب الإخراجية، نتج عن اختلاف الرؤى، والطموح، وميزانيات الإنتاج.
هنا، مجموعة متنوعة من الكليبات التي لفتت انتباه فريقنا:
يوسف علي
سادات العالمي وكبارة - المادة تمانين
في فيديو كليب "المادة تمانين"، من إخراج البلجيكية بولين بوني، يعبر السادات العالمي عما يمكن تسميته "أزمة منتصف المسيرة": الشعور بالسأم الذي قد يصيب الفنان عندما يعجز عن ابتكار الجديد.
يأتي الفيديو مركباً ومربكاً بشكل إيجابي في انتقالاته بين عوالمه الثلاثة: من الصحراء الفسيحة، إلى الإستوديو المغلق، إلى مسرح بأحد المناطق الشعبية. ويرصد المونتاج التيه منذ البداية بعرض بلاي باك لأغاني سابقة للسادات بينما يقف مرتبكاً رغم تفاعل الجمهور معه بالتعقيب والرقص وإشعال النيران. وينتهي بمشهد سريالي تتحول فيه كنبة ستوديو التسجيل إلى كائن يلتهمه ثم ينقله إلى صحراء بعيدة. وكأنه يبدأ رحلة تيه جديدة، محفوفة بالمخاطر، بحثًا عن إبداع جديد.
عمر بقبوق
الصواريخ وحسن أبو الروس- كل الناس
يدمج كليب "كل الناس" لحسن أبو الروس والصواريخ، بين لقطات مصورة خصيصًا للكليب ومقاطع مصوّرة من قبل مستخدمي تيك توك المتفاعلين مع الأغنية، ما يمنحه طابعًا عفويًا ومرِحًا يشبه تجميع فيديوهات منزلية ملونة وفوضوية على إيقاع سريع ومبهج.
الكليب الذي ظهر ببصمة المخرج عمر عادل، بعد شهرين من إصدار الأغنية، استخدام ألوانًا فاقعة وغرافيك مشوَّهًا عمدًا، ليضفي طابعًا "كيتشيًّا" لطيفًا يعزز الكوميديا ويعكس روح الاحتفال العفوي الذي أُُطلق من أجله الكليب: هدية زفاف من حسن أبو الروس لعروسته غادة والي. التداخل بين موسيقى المهرجانات والفيديوهات المنزلية القصيرة أعطى طابعًا خاصًا للكليب، لاسيما أن اللقطات تتعاقب سريعًا، بما يتوافق مع إيقاع الأغنية؛ لتشعر عند متابعة الكليب أنك تتصفح فيديوهات طريفة ومسلية على تيك توك؛ بمرافقة موسيقى متصلة تقتل الملل.
لينا الرواس
عصام صاصا وعنبه - أنا البطل
لا يشبه كليب "أنا البطل" ما اعتدنا رؤيته في كليبات المهرجانات. بدلًا من الألوان الصاخبة والمؤثرات المبالغ فيها، نرى مغنيي المهرجان "وصحابهم" يتجمعون في ساحة ترابية مفتوحة، في مشهد أقرب لراب الشوارع منه إلى أجواء المهرجانات. تُستعاد في الكليب لقطة السيارة التقليدية التي تدور وتشحط على الأرض، وكاميرا تتحرك مسعورة في دائرة مغلقة من الذكور والسيارات المهجورة والعجلات المرمية، في استعراض لا مكان فيه للنساء، إلا كمتفرّجات محتملات.
رغم كل هذا، ورغم أن الكليب، الذي أخرجه أشرف رمضان، مشبع برمزية الذكورة والاستعراض الخشن، لا أنكر أني أحببته. ربما لأنه صادق، أو لأنه يعرف جمهوره عن قرب، ويتحدث بلغتهم بلا تصنّع. وبرغم أن حضوري كامرأة يبدو مستبعدًا من هذا المشهد، وجدت نفسي مأخوذة به.
هلا مصطفى
كزبرة - عليا الطلاق كله بيكذب
برغم أن كزبرة (أو أحمد بحر كما أصبح اسمه لاحقًا)، ليس مخرجًا، يبدو لنا أنه يمتلك، إلى جانب رؤيته الموسيقية، رؤية بصرية خاصة، تتسم غالبًا بخفة الظل، إذ تنفذ كل اللقطات والفريمات بأسلوب يخدم العنصر الكوميدي، ولكن ببساطة شديدة.
معظم كليبات كزبرة بما فيها "رزمة" و"انتا مش جي معايا" وقبلها "عليا الطلاق كله بيكذب" صُورت بميزانية صغيرة، في الشوارع والحارات ومع شباب المنطقة، ولم يقف ضعف الإمكانيات الإنتاجية عائقًا أمام الإبداع في الصورة. وهذا الكليب -في رأيي- هو أفضلها.
نورهان أبوزيد
مسا مني ليكو- عصام صاصا
رغم نجومية عصام صاصا في عالم المهرجانات، لم يُصدر إلا عددًا قليلًا نسبيًا من الكليبات مقارنة بغزارة إنتاجه الغنائي. ولعل واحد من أفضلها كليب "مسا مني ليكو" من إخراج نيروز أبو زيد.
الكليب هو الأول ضمن سلسلة مهرجانات بعنوان "مصحة" افتتحها صاصا بهذا العمل. وهو بمثابة ألبوم غنائي يجمع عدة أغنيات وفنانين تحت فكرة موحدة. يظهر في كل أغنية أحد الفنانين وهو يجلس مع طبيب نفسي – يجسد دوره المؤثر والممثل عُمَريلو مصطفى – ليحكي عن مشكلاته النفسية من خلال الغناء.
وبالرغم من بساطة الفيديو الذي يظهر فيه صاصا وهو يغني ويبوح بآلامه، جاءت فكرته مبتكرة، تخرج عن النمطية المعتادة في كليبات المهرجانات، وتطرح فكرة إنسانية: أن الجميع يمرون بأزمات نفسية في مرحلة من حياتهم.
حسن شاكوش - حبيبتي
أحدثَ فيديو كليب "حبيبتي" لحسن شاكوش نقلة نوعية في عالم كليبات المهرجانات، إذ ارتقى بالصورة والإخراج إلى مستوى جديد تحت إشراف مخرج صاحب رؤية فنية مميزة هو هادي الباجوري.
كذلك ساهم في تميز الكليب مشاركة الفنانة ياسمين رئيس، التي ظهرت فيه كمغنية وممثلة، ما أضفى على العمل طابعًا سينمائيًّا. ورغم بساطة القصة التي يرويها الكليب، يمكن اعتباره بمثابة اعتراف بنجومية حسن شاكوش، الذي استطاع أن يستقطب مخرجًا بحجم الباجوري لتقديم مهرجان بأسلوب غير تقليدي.
يبرز هذا التميز في تفاصيل الديكور المحيط بياسمين، واختيار الملابس والإكسسوارات بعناية بحيث تنسجم مع الشخصية التي تؤديها، وكأنها خرجت لتوها من فيلم عربي. أما الألوان وتدرجاتها فدعمت القصة البصرية، إذ يظهر شاكوش كعاشق يحاول كسب رضا حبيبته الواقفة في الشرفة، في مشهد يحاكي صورة "شحات الغرام" لكن بأسلوب عصري.
هذا الكليب، في رأيي، من أكثر أعمال المهرجانات اكتمالًا من حيث الصورة والإخراج، وربما الأجمل من بينها بصريًا حتى الآن.