في إحدى المقابلات التي أجراها دي بوي في مسيرته القصيرة، سأله المقدم عن نوع الموسيقى التي يقدّمها، فأجاب: "مخلطة، وأنا مانيش رابور، أنا أرتيست"، في إشارة إلى رغبته في تقديم الراب إلى جانب مختلف الأنماط الموسيقية التي يحتملها صوته، بعيدًا عن حصر نفسه في جنرا واحدة.
جاء اسم دي بوي من حيّه "الداموس"، إذ أراد من خلاله الإشارة إلى "صغير الداموس"، ومن هنا وُلد لقبه الفني. بدأ رحلته مع الموسيقى في سن التاسعة، حين كان لا يزال على مقاعد الدراسة، يدوّن كلماته وأفكاره الموسيقية في كراسته ويعرضها على أصدقائه في الصف.
ومع مرور الوقت، اتسع فضوله نحو أسماء أسست لمشهد الهيب هوب التونسي، فكان يتنقل حاملًا سماعاته التي تصدح بأغاني بلطي، خاصة تراك "دوزا دوزا". ينحدر دي بوي من عائلة موسيقية، فوالده كان فنانًا لكنه لم يحظَ بالنجومية التي كان يطمح إليها، فآمن بموهبة ابنه وقرر أن يستثمر فيها.
وفي واحدة من أولى أغانيه، "حبي شوية شوية"، دعمت والدته شغفه بالموسيقى إلى حد أنها باعت ذهبها ليتمكّن من إنتاج الأغنية وتصويرها. جاءت الأغنية مفعمة بإيقاعات الأفروبييتس، وكشفت عن تلوينات صوته وطاقته التعبيرية، رغم أن عمره حينها لم يتجاوز الخامسة عشرة.
بدايات مبكرة وهوية موسيقية متنوعة
بدأ دي بوي مسيرته فعليًا من الصفر، وكان شغفه بالموسيقى منذ سنوات مراهقته المحرّك الأساسي لموهبته، إذ وجد فيها مساحة للتعبير عن نفسه وصوته الخاص. في عام 2020، أطلق أغنية "نحب نشوف أحلامي طايرة"، التي شكّلت لحظة مفصلية في مساره الفني، محققة أكثر من 22 مليون مشاهدة.
على إيقاعات التراب جاء الفلو متقن ومشبع بجماليات الرايمينغ، ليؤكد قدرته على التنقل بسلاسة بين الجنرات الموسيقية. ارتبطت الأغنية بمرحلة عمره الصغيرة، وصارت ترند على تيك توك بعدما وجد الشباب من عمره أنفسهم في مشاعره وأحلامه.
عاد دي بوي إلى تأثيرات الأفروبيتس في أغنية "بيناتنا ليام عشيري"، حيث يقول: "عشت صغير وسابق جيلي/ من الدنيا ذقت مرارة"، في إشارة إلى تجاربه المبكرة والصعوبات التي واجهها، مع إبراز دعم والدته المستمر لمسيرته.
كبر دي بوي مع الموسيقى، واهتم بهويته البصرية التي لم تقتصر على توثيق حياة الشباب في الحومة، بل شملت أيضًا الأطفال، ليعكس واقع البيئة التي نشأ فيها. غالبًا ما يظهر في كليباته بوجه صريح وواقعي، تمامًا كما تعكس كلماته. جاءت هذه الأغنية لتكشف الكثير عن حياته ونظرته إلى نفسه والعالم من حوله.
تعاونات مدروسة وتحديات الشهرة
مع "نورمال"، بدا دي بوي وكأنه يفتح صفحة جديدة في مسيرته، متجاوزًا مرحلة البدايات نحو هوية فنية أكثر وضوحًا ونضجًا. لم يعد مجرد فتى يعكس أحلامه في كلمات بسيطة، بل أصبح صوتًا قادرًا على صياغة سرد بصري واجتماعي عن جيله. الفيديو كليب، يتجاوز إطار الترفيه ليقدم صورة واقعية عن الحياة اليومية، وعن مشاعر الانتماء والتحدي التي يعيشها جيل كامل.
تعاونات دي بوي قليلة لكنها مدروسة بعناية، إذ يسعى من خلالها إلى إبراز شخصيته الفنية وعدم الذوبان في هوية الآخرين. من أبرز هذه التعاونات ظهوره مع الجندي من المشهد الليبي في تراك "الوصية"، حيث جمع بين حسه الغنائي وخط الراب الليبي القوي، ليخلق مساحة مشتركة تعكس تقاطعات التجارب بين الشباب في تونس وليبيا.
في إحدى مقابلاته، قال دي بوي: "من صغير مريض بالموسيقى"، وهو تصريح يلخّص مسيرته منذ الطفولة وحتى اليوم. كبر وهو يغني عن المشاعر والأحلام والحب والأم، لكن الشهرة حملت معها تحديات لم يكن يتوقعها، إذ وجد نفسه في صدام مع شركة الإنتاج الخاصة به، وتعلم مبكرًا أن العالم الفني ليس سهلًا. ومع ذلك، ما زال يصنع موسيقاه بنفسه، متمسكًا بشغفه.