لم يتبقَّ سوى خمسة أيام على انطلاق الدورة الأولى من "مهرجان الراب الدولي التونسي" في رباط المنستير، الذي يديره مجدي الطرابلسي، وسط غموض يلف تفاصيله، إذ لم يُعلن بعد عن برنامج الحفلات رغم مرور شهر على الكشف عن الفكرة. ويأتي هذا الترقّب في خضم جدل واسع بالمشهد الثقافي والموسيقي التونسي، إثر رفض مهرجانات كبرى مثل مهرجان قرطاج وسوسة استضافة مغنّي الراب، وخلو مهرجان الحمامات الدولي من أي تمثيل لهم، ما أثار تساؤلات عن أسباب هذا الإقصاء وعلاقته بالصورة النمطية المرتبطة بالهيب هوب.
إعلان أشعل فتيل الجدل
قبل نحو شهر، خرج مدير مهرجان سوسة، معز كريفة، ليبرّر غياب الراب والأغاني الشعبية عن برنامجه، بدعوى أنّ حفلات هذه الأنماط الموسيقية كثيرًا ما تشهد أحداث شغب وفوضى. وأكد أن هدف المهرجان تقديم عروض تناسب العائلات وتخلو من المشاكل، وهو ما أثار غضب فنانين وإعلاميين اعتبروا الأمر تمييزًا وتجاهلًا لجمهور واسع. حتى أنّ الرابر كازو خرج مطالبًا بحق الرابرز في اعتلاء منصات المهرجانات الكبرى، مشددًا على أن جمهورهم يستحق مشاهدتهم مكرّمين على الخشبة.
ردّ نقابة الموسيقيين وتوسّع الجدل
اعتراض رسمي جاء من نقيب الموسيقيين التونسيين ماهر الهمامي، الذي اعتبر تصريحات كريفة جزءًا من نمط أوسع لتهميش أي ظاهرة موسيقية محلية صاعدة، خصوصًا وأن مهرجانات ترفض الرابرز التونسيين بينما تستضيف أسماء عربية وأجنبية من نفس اللون.
ورغم تأكيد كريفة على استقلال إدارة وجمعية مهرجان سوسة، وعدم وجود تصريح رسمي حتى الآن من وزارة الشؤون الثقافية يمنع الراب بشكل صريح من المهرجانات، إلا أن الهمامي أشار ضمن تصريحاته إلى أن الوزارة وإدارة مهرجان قرطاج أيضًا تتخذ موقفًا سلبيًا من الراب والموسيقى الشعبية، ما قد يفسر غياب الرابرز عن أبرز المهرجانات الدولية في البلاد.
أزمات النجوم وتأثيرها على صورة مشهد الراب في تونس
منذ صعود موجة الهيب هوب بعد 2011، ارتبطت بعض الحفلات بأحداث شغب واعتقالات، وصولًا إلى قضايا جنائية طالت أسماء كبيرة. في العامين الماضيين، واجه سمارا أزمات متلاحقة، من إلغاء حفلات بسبب التدافع، إلى انسحابه من مهرجان بنزرت بعد رشق الجمهور له بزجاجات مياه، وانتهاءً بحبسه مطلع العام الحالي بتهم تتعلق بالمخدرات. أما علاء، فتعرض لانتقادات بعد ظهوره عاري الصدر على مسرح مهرجان صفاقس، قبل أن يتم إيقافه الشهر الماضي على ذمة التحقيقات. هذه الوقائع منحت المعارضين للراب ذخيرة إضافية لتبرير الإقصاء، رغم دفاع كثير من النقاد عن كونه "فن الشارع" المعبر عن الناس.
"مهرجان الراب الدولي": مبادرة قد تغيّر المعادلة
في خضم الجدل، أعلن وجدي الطرابلسي عن تنظيمه النسخة الأولى من "المهرجان الدولي للراب في تونس" والذي سيجمع رابرز من تونس ودول عربية وأجنبية، منهم لافوين وبلطي ونوردو وكازو وعلاء (الذي جاء الإعلان قبل اعتقاله من قبل السلطات) وريما كا. الطرابلسي نفى أن يكون المهرجان ردّ فعل على قرارات الإقصاء، مؤكدًا أن الفكرة قائمة منذ 2019 وأن وزارة الثقافة تدعمه بالكامل. لكنه اعترف بوجود بعض مديري المهرجانات ممن لديهم مواقف مسبقة من الهيب هوب.
ورغم مشاركة أسماء معروفة هذا العام في مهرجانات أخرى، يرى كثيرون أن هذه المشاركات لا تمثل الجوهر الحقيقي للمشهد، بل تُستخدم لتخفيف حدة الانتقادات، خاصة وأن تجارب أسماء بارزة مثل بلطي ونوردو باتت تميل منذ سنوات طويلة إلى البوب أكثر من الراب الخالص.
يبقى السؤال: هل سينطلق "مهرجان الراب الدولي التونسي" في موعده ليمنح الرابرز منصة طال انتظارها؟ أم سيكون مجرد مساحة هامشية لاحتواء الغضب، بينما تظل أبواب المنصات الكبرى مغلقة؟