"البوم"، ويعني في هذه الحالة القارب الخشبي الكبير، وهو بطل الحكاية وشخصيتها الرئيسية وموقع الأحداث في المسلسل الذي حمل اسمه. فبحسب الحكاية، وخلال الحقبة التاريخية لفترة الحرب العالمية الثانية، حمل البوم عددًا من الصيادين الإماراتيين البسطاء، ليتركوا خلفهم الكثير مما يهربون منه، نحو مصير مجهول ينتظرهم على شواطىء الهند.
صدر مسلسل "البوم" ضمن الموسم الرمضاني الحالي، ليكون العمل التاريخي الأول في أرشيف الدراما والمسلسلات الإماراتية، والإنتاج التلفزيوني الأضخم الذي تشهده الإمارات عبر السنوات. ارتبطت ضخامة الإنتاج هذه، بعشرات الأسماء الاحترافية التي عملت ضمن اختصاصاتها المختلفة لتقدم أفضل نتيجة لعمل بهذا الحجم، يوثق تاريخ المنطقة من خلال قصة درامية ذات أبعاد مختلفة تحت إشراف مخرج العمل الأسعد الوسلاتي. لم يقتصر الاحتراف في العمل على الصورة بل امتد ليشمل الصوت، من خلال التعاون مع المنتج الموسيقي التونسي الشاب سليم عرجون الذي ألف الموسيقى الأصلية المصاحبة للعمل، ليخرج في النتيجة النهائية بألبوم متكامل خمسة وعشرين مقطوعةً قصيرةً، تمتد طوال ساعة وثلث لتأخذنا في رحلة عاطفية متكاملة.
في توجهها الأساسي، اعتمدت معظم المقطوعات على الصوت الكلاسيكي الآلاتي الوتري بدءًا من موسيقى الجينيريك الأساسية التي اجتمعت في أدائها أوركسترا ضخمة ضمَّت عازفين من حول العالم يؤدون على عائلة الكمانات كاملةً. استطاعت الكمانات أن تفتتح الحلقات في كل مرة، ما بين انسيابيتها حينًا وتوترها حينًا، بما يتناسب مع أحداث الحكاية، وقد تناسبت حركة أقواسها الذاهبة والعائدة فوق الأوتار، مع حركة الأمواج التي حملت البوم بين كفاتها لأشهر، محددةً بين الشدة والهدوء مصير من عليه. وضع المؤلف الموسيقى هذا التصوّر وعزفته أوركسترا بودابيست السمفونية باحترافية عالية.
مقطوعات أخرى ظهرت في لحظات أكثر تخصيصًا، شهدت دخول آلات أخرى تصدرت اللحن إلى جانب الكمانات الغربية
لتمنحها بهارات إضافية، مثل Was Life a Choice? التي يفتتحها صوت اليوكيليلي. وفي Drowned in Emotions أو نسخ البيانو من تراكات معينة والمخصصة للألبوم مثل The Lions وBorn Again شهدنا تأثير البيانو في منح المقطوعات هدوءًا وعاطفية مضاعفة. أما مع انتقال الأحداث إلى الهند ووصول الصيادين إلى البلد الجديد بالتزامن مع اندلاع الحرب، فشهدنا دخول آلات وتفاصيل جديدة نقلت الصوت الكلاسيكية إلى ثيمات بدت أكثر إثنية تأثرًا بالبيئة الجديدة، وبات صوت الوتريات أقرب إلى الأسلوب الآسيوي منه إلى الكلاسيكي الغربي.
يتأثر توجه سليم عرجون كمؤلف موسيقي بالمجمل بالمدرسة الكلاسيكية الغربية في الموسيقى، إلا أنه نجح مرارًا في تاليف وإنتاج موسيقى مخصصة لأعمال تلفزيونية وسينمائية، تخصصت موسيقى كل منها لتناسب العمل وروحه. شهدنا مشاركته المميزة العام الماضي في الفيلم السعودي الكوميدي "راس براس" عبر تراك رئة ثالثة التي قدّمها بصوت أخته نور عرجون. عمل كذلك مؤخرًا على الموسيقى الأصلية للمسلسل السعودي "دكة العبيد" للكاتبة هبة مشاري حمادة والمخرج الأسعد الوسلاتي، وقد حمل كذلك ثيمات موسيقية متنوعة متناسبة مع أجواء الأحداث التاريخية، مقدّمًا عبر مجمل هذه الأعمال تجارب فريدة نقلت التأليف الموسيقي للأعمال التاريخية إلى مستويات جديدة.