في لقاء لها قبل سنوات، سُئلت أحلام إن كانت أغنية "مكانه وين" قد عرضت عليها قبل أن تغنيها ميريام فارس، فأكدت أن الملحن الكبير عبد الله القعود بالفعل وضع الأغنية لها خصيصًا. أما لماذا لم تغنيها؟ فأجابت ببساطة: "زوجي ما حبها.. قالي بعد 'ناويلك على نية' تغني 'يسألني مكانه وين جوا القلب ولا العين'؟". موضحة أن رومانسية الأغنية تتعارض مع نبرة التحدي المعتادة في أغانيها، فاستغنت عنها.
التصور الذي كان في ذهن مبارك الهاجري، زوج أحلام ورفيق دربها، عن الشخصية الفنية التي كلها قوة وتحدي، هو التصور ذاته الذي نجحت أحلام في تثبيته في أذهان الجمهور منذ نجاحاتها الأولى. كل ما يروى حول أحلام -في حقبة التسعينيات خاصةً- كان خارجًا عن الصور النمطية والتوقعات لفنانة من الخليج. بل لربما لم يكن هناك توقعات لفنانات خليجيات وقد كن نادرات. سبقتها في الستينيات عتاب ورباب وتوحة وبعض الأسماء الشعبية التي لم تجد طريقًا لإذاعات البث الرسمية. وعاصرتها نوال الكويتية فقط.
أما هي، فنجحت خلال سنوات قصيرة في جعل العالم العربي وليس فقط الخليج، يحفظ هيتاتها. كانت أول فنانة خليجية تقدم الفيديو كليبات بالمعنى المعاصر. خرجت في مقابلات وحفلات بإطلالات أنيقة متفردة، فكانت حتى خياراتها في الموضة حديث الجمهور. وجدت طريقها إلى أعرق المسارح العربية منذ بداياتها، مثل مسرح مهرجان جرش. وصلت إلى القلوب باللهجة الخليجية، ولم تتراجع عنها لعقود، فلم تقدم إلا ما ناسب مزاجها ورؤيتها.
أحلام مبارك الهاجري
يروي مبارك قصة لقائه بأحلام للمرة الأولى قبل 25 عامًا، ذاكرًا أنه كان متحمسًا حين وجد أمامه فجأة أحلام "تدري ليش أزعل عليك" و"قول عني ما تقول"، أول فنانة خليجية شبابية يحفظون أغانيها. كانت حينها نجمةً بالفعل وهي في الثلاثين من عمرها، وكان هو بطل سباق رالي ورجل أعمال له شهرته التي تجاوزت حدود قطر والخليج. فتهيأت لهما الصدفة المثالية ليلتقيا في لبنان للمرة الأولى، ويقعا في الحب من النظرة الأولى، ثم يتزوجا ويصبحا "الكوبل" الشبابي المفضل في الخليج لسنوات طويلة.
لكن السحر الذي أحاط بقصة الحب هذه يتجاوز المصادفة واللقاء والكيمياء الأولى. إذ جاءت شراكة أحلام مع مبارك الهاجري لتنسجم بشكل مثالي لشخصيتها ورؤيتها الفنية طويلة الأمد. حبه لها وهي في أوج نجوميتها وجّهه ليفعل كل ما في وسعه للحفاظ على بريقها. بدا أنه أعاد تشكيل حياته لتتمحور حولها وحول فنها. وضع بين يديها كل أدواته، بما يعزز حريتها الفنية، خاصة حين يتعلق الأمر بالجانب التجاري للفن وإدارته والتربح منه.
في مرحلة مبكرة من زواجهما وجّهها لتفكر في نمط الحياة الذي تعيشه، وسألها إن كانت قادرة على أن تعيشه عبر مدخول حياتها الفنية الحالية فقط. طلب منها أن تتأمل مسيرة جيل من الفنانات ممن سبقنها في الخليج والعالم العربي، وقد عرف تأثرها الخاص بالفنانة رباب التي سبقتها بجيل، وبتجربة صباح في لبنان، وكلتاهما عاشتا مع النجومية حياة باذخة ثم اختبرتا ضيق الحال لسنوات طويلة قبل رحيلهما. هكذا، وجّه مبارك النجمة أحلام، بعد عقد الهيتات والنجاحات الأولى، إلى عالم الاستثمار والتجارة. علّمها طوال سنوات إدارة أموالها ودخلها، وتركها بعدها لعقدين تاليين بعد أن منحها حرية لا يحظى بها الكثير من الفنانين المبدعين. هكذا، أصبحت أحلام تفصل الفن على قياسها، ولا تمارسه كناشط تجاري يخضع لمتطلبات "السوق".
حضر أثر مبارك كذلك في الجانب الفني. مؤخرًا فقط وبعدها تقديمها ألبومها الأحدث "العناق الأخير"، أخبرت الإعلام أن مبارك تعب أكثر منها في الألبوم. حضر كل جلسات التسجيل معها، وسمع الأغاني في أطوارها المختلفة، وفي ليالٍ كثيرة افترش الاستديو ونام في انتظار أن ينتهوا من العمل. في معظم المقابلات التلفزيونية آخر 15 عامًا، نلتقط لحظات تدير فيها أحلام رأسها بعد سؤال ما، وتبحث بنظرها عن زوجها، وتقول ضاحكةً: "وين مبارك؟ مبارك أحكيلهم القصة؟" وكأنه مستودع أفكارها وحكاياها.
كما كان لافتًا كم تغير تقديم أحلام لشخصها بين المقابلات القديمة، ومقابلاتها بعد الزواج في الألفية الجديدة. كانت في البداية الشابة اللطيفة "البيتوتية" التي تتحدث بشغف عن فنها وعائلتها وأخوتها والظروف التي اختبرتها لتدخل عالم الفن. أما بعد النجاحات الأولى وبعد مبارك، فصارت تتحدث عن كونها السبّاقة، والموسيقية المتمكّنة، وفنانة الخليج الأولى. قالتها بجرأة في لقاء تلفزيوني: "في الخليج في أنا ونوال الكويتية وبعدنا الحيطة" وحين حاول المذيع ناقشها أجابت: "اللي بتقول لا.. توقف معايا عالمسرح وتغني".
قبل الألفينات، كانت أحلام نجمةً بالفعل، لكنها بعدها أصبحت "الملكة".
أحلام الشامسي
لكن حتى قبل مبارك، عرفت أحلام ما تريد، وحظيت بالدعم لتأخذه. كان عليها في البداية طبعًا أن تثبت الموهبة والتمكن، ولم يكن ذلك صعبًا عليها، فقد خبرت الفن في سن صغير. والدها كان فنانًا رغم عمله الأساسي في مجال المقاولات، فكانت الموسيقى والعزف وحفلات الأعراس التي كلها أغاني وإيقاعات، جزءًا من نشأتها. كثيرًا ما تسللت وهي طفلة لتلتقط الميكروفون المهمل في أعراس النساء، وتغني للحضور. لكنها لم تتوقع إطلاقًا أن تحترف الغناء في يوم ما، لم يكن الخيار أساسًا متاحًا لصبية في بيئة محافظة، لكنها حظيت بالتدريب الموسيقي بكل الأحوال.
ثم توفي والدها وهي في سن الثالثة والعشرين. ورغم أنهم كانوا ميسوري الحال، لكن العائلة تألفت من 11 أخًا وأخت، وكانت هي وأختها فجر أكبرهم، ووجدتا نفسيهما في موقع مسؤولية. كانت أحلام حينها تتابع دراستها في الكلية وتتقاضى مرتبًا طلابيًا. لكنها بعد ذلك اقترحت على والدتها أن تغني في حفلات الأعراس ولو سرًا لتكسب المزيد. سرعان ما اكتشف أخوها محمد السر، وتوعدها بغضب. خرجت أحلام عندها إلى الكويت لتبقى مع أقارب لها إلى حين يهدأ الوضع.
ناسبها المناخ الفني في الكويت، التي كانت سباقةً بين دول الخليج في الموسيقى والدراما والبرامج التلفزيونية. تعرفت على العديد من الشعراء والملحنين، وبدأت تسجل أغانيها الخاصة. قدّم لها الشاعر الكويتي الكبير عبد اللطيف البناي العديد من الأغاني في ألبوماتها الأولى، وكان أول من ألبسها مفردات التحدي حتى في تعابير ومشاهد الحب. غنت من كلماته في ألبومها الأول "أحبك موت" عام 1995: "أنا ربي بلاني فيك بلوة" ثم رسخ صورتها كالصبية القوية التي تُذم حين لا تدرك: "قول عني ما تقول/ صوبي كم صعب الوصول/ واللي ما يطول العنب/ حامض عنه يقول".
أما رفيق نجاحاتها الأبرز منذ بدايتها فكان الملحن البحريني عارف الزياني. امتلك هذا المبدع ملَكَة البساطة، فمن بعد مدارس التلحين في الحقبة الذهبية للأغنية الخليجية مع طلال مداح ومحمد عبده وعبد الرب إدريس وأبو بكر سالم، استوعب الزياني تأثيرات من سبقوه من كلاسيكيين، وما أحاطه من موسيقى شعبية، وحاول الخروج بالنتيجة بالسهل الممتنع في عصر الأغنية السريعة في التسعينيات. لحّن لها "تدري ليش" و"ما يصح إلا الصحيح" وأصبحت جميعها هيتات على امتداد العالم العربي. تعاونت كذلك مع الملحن الكويتي أنور عبدالله ورافقها في أغاني على امتداد التسعينيات.
في الحديث عن كسر الصورة النمطية للمجتمعات الخليجية المحافظة قالت أحلام في أحد اللقاءات التلفزيونية الأولى: "نحنا في الخليج ناس نحب نسمع الطرب، ونحب الفن. الممانعة ممكن تجي.. لكن الفنان بس يمشي صح.. المحيط يشجع". وبالفعل، وكما حظيت رباب وعتاب قبلها بدعم رواد الموسيقى الخليجية مثل طلال مداح، حظيت أحلام كذلك بدعم من الكبار.
تحكي بتأثر في مقابلات قديمة أن الفنان عبد الله الرويشد حين التقى بها وسمعها أول مرّة، فرد أمامها ألبومه قيد التسجيل، وقال لها أن تختار أي أغنية وتأخذها لها. وبالفعل، ظهرت أول ألحانه لها في ألبوم "كيف أرضى" عام 1997 مع أغنية "لما قلبي". وفي لحظة مفصلية أخرى، بكت أحلام في بداياتها على أثير إحدى الإذاعات حين اتصل فنان العرب محمد عبده وأشاد بها في مداخلة هاتفية على الهواء مباشرة، واعتبرتها من أسمى لحظات التقدير والدعم التي حظيت بها.
خلال خمس أو ست سنوات فقط، أصبحت أحلام نجمة عربية وليس فقط خليجية. انتقت من الأغاني ما يصل لجمهور أوسع خاصة من خلال الكلمات، بحيث لا تقف اللهجة عائقًا أمام الوصول. بل على العكس، أطلت على الجمهور العربي مرسخة صورة الفتاة المشاكسة التي تتحدى، بل وتتوعد أحيانًا، دون أن يمنعها ذلك من أن تفيض بالرقة والإحساس في أحيان أخرى.
تروي أحلام أن عاطف الزياني جاءها منزعجًا في نهاية التسعينيات. كانت ديانا حداد قد طلبت منه أغنية تتطابق مع أغنية "تدري ليش أزعل عليك" لأحلام، فلحّن لها أغنية بعنوان "والله أحتاجك أنا"، فرفضتها ديانا حداد. استوعبت أحلام انزعاجه حينها وطلبت أن تسمع الأغنية، فأغرمت بها وأخذتها لها. صدرت الأغنية ضمن ألبوم "مختلف" عام 2000، مع فيديو كليب وقفت أحلام فيه فوق رمال الصحراء تغني مرتدية الفستان الأزرق الشهير وأقراطًا ماسية، مستعرضةً أداء صوتيًا متفوقًا في الإحساس والشجن. لحظة غيرت مسيرتها إلى الأبد، وتحولت إلى أغنية خالدة في ذاكرة الجمهور العربي، تُطلب منها في الحفلات الحية حتى بعد عشرين عامًا، ليردد معها الجمهور: "أنا من بعدك أتوه/ وعالمي بعدك يضيق/ تختلط عندي الوجوه/ العدو يصبح صديق".