أصدر راشد الماجد أغنيته الجديدة "من عرفتك"، لتكون سابع أعماله المنفردة هذا العام، مواصلًا بذلك نهجه القائم مؤخرًا على طرح الإصدارات المنفردة بدلًا من الألبومات الطويلة، بعد أن قدّم العام الماضي ألبومًا قصيرًا بعنوان "استحالة". ويبدو أن النصف الثاني من عام 2025 يشهد نشاطًا متزايدًا للماجد من حيث وتيرة الإصدارات، مع تكثيف حضوره عبر أغنيات تتنوّع في موضوعاتها وتوزيعاتها الموسيقية.
تجربة عاطفية فريدة من نوعها
"من عرفتك"تحمل توقيع الشاعر مشاري مبارك الحديبي وألحان سايد وتوزيع عبدالله بن ياقوت النعيمي. لم تُطرح الأغنية عبر فيديو كليب مصوّر، بل رافقها فيديو بسيط يضم صورًا وكلمات الأغنية، في إشارة إلى رغبة راشد الماجد في توجيه الاهتمام نحو التجربة السمعية والعاطفية للأغنية دون تشتيت بصري.
منذ اللحظات الأولى تنبعث أنفاس الناي بخفة، لتقود المستمع إلى أجواءٍ هادئة سرعان ما تتّسع بدخول الإيقاع الخليجي وتداخل الوتريات، وكأنها تمهّد لطلّة صوت راشد الماجد وهو يبدأ الغناء قائلًا: "من عرفتك وأنا كل وقتي سعيد / ما يمر طاريك إلا وابتسم / قبل أعرفك كنت أحبك من بعيد".
تنبض كلمات مطلع الأغنية بحالة حب هادئة وناضجة، تفيض امتنانًا وفرحًا، فيما تخفي الموسيقى بين طبقاتها شيئًا من الأسى غير المعلن. وتتجلّى الوتريات مع توالي الفواصل الموسيقية في لحظات شجن واضحة، بينما يمضي راشد الماجد في التعبير عن حبه بمجازات شعرية رفيعة، قائلًا إنه يحبها أكثر مما يعزف من ألحانه من نغم، وأكثر من الدم الذي يسري في الوريد، ليصوغ بذلك مشاهد شعرية تنبض برهافة الإحساس.
حكم أولي
خاض راشد الماجد منذ بداياته في الثمانينات مسارات موسيقية متنوعة، بعيدًا عن تكرار نفسه أو الاعتماد على نجاحاته السابقة، حتى ضمن الإطار العاطفي الذي اشتهر به. ويواصل هذا النهج في أغنيته "من عرفتك"، التي تحمل طبقة شعورية رمادية مختلفة عن ألحانه المفرحة والضاربة مثل "مشكلني" أو "العيون".
يبرز التضاد بين مضمون الكلمات الرومانسية الحنونة والتوزيع الموسيقي الذي يخلق حالة شجن، ما يترك المستمع متسائلًا: هل هذا الحب يُروى بفرح حقيقي أم يخفي وجعًا؟ وهل يشير الأداء المتأمل والموسيقى الحالمة إلى قصة حب سعيدة أم إلى محاولة للتأقلم مع ألم الحب؟ هذا الغموض المقصود في الشعور يمنح الأغنية عمقًا وتفردًا، وقد يكون أحد أسباب تفاعل الجمهور معها بقوة، إذ احتلت مباشرة المرتبة الرابعة على قائمة أعلى 50 خليجي لهذا الأسبوع.
تنجح المقدمة الموسيقية الطويلة نسبيًا، والتي تتجاوز الدقيقة، في تمهيد الحالة النفسية ومنح المستمع فرصة للغوص التدريجي في أجواء الأغنية. ويبرز التباين بين الجمال اللغوي والرقة العاطفية من جهة، والحزن المختبئ خلف الألحان من جهة أخرى، ليجعل من "من عرفتك" أغنية لا تُستهلك سريعًا، بل تتطلب وقتًا وتأملًا لتُفهم وتُعاش. وربما هذا بالضبط ما يحتاجه جمهور الأغاني العاطفية بين حين وآخر: أغنية لا تقول كل شيء بوضوح، لكنها تشعرك بكل شيء من دون شرح.