خاض زياد الرحباني أول تجارب التلحين في سن المراهقة، تحت جناح والده الموسيقار الراحل عاصي الرحباني. ثم مرض عاصي، فقدم زياد ابن السابعة عشر أغنية "سألوني الناس" لوالدته السيدة فيروز، لتغنيها في غياب والده. وكان هذا طرف الخيط فقط، الذي امتد بعد ذلك ليرسم طريقًا مستقلًا، ومسيرة مذهلة.
ثوّر زياد الرحباني شكل الموسيقى العربية، بعد سنوات طويلة من الدراسة والسفر والنهل من مدارس موسيقية متنوعة كانت مدرسة الرحابنة أولها. بدأ تجارب جدّية لتقديم نسخته الخاصة من موسيقى الجاز، لكنه رفض تسمية الأورينتال جاز - أو الجاز الشرقي- فالجاز بالنسبة له هو الجاز. قدم عبر مسرحياته وتعاوناته مع جوزيف صقر تجارب أصيلة الصوت، ولبنانية خالصة، كما في أغاني "شو هالإيام" و"مرْبى الدلال" و"بما إنو".
احتاج أحيانًا إلى تجارب أطول ليفرد إبداعاته على مساحة أكبر، فأصدر ألبومات موسيقية أشهرها ما أقنع فيروز بغنائها، وأحدثت انقلابًا على الشكل الفني الذي قدمته طوال العقود التي سبقت التعاون مع زياد. كما كانت له ألبومات أقل شهرةً وأشد خصوصية مع أصوات مغمورة طوّعها لتقديم رؤيته.
تعرفوا على أبرز الألبومات الطويلة التي قدمها زياد عبر مسيرته في هذه القائمة. (تُستثنى منها ألبومات الحفلات الحية مثل "فيروز في بيت الدين" وألبوم "زياد الرحباني في قلعة دمشق"، التي قدمت نسخًا حية بتوزيعات جديدة لأشهر مؤلفاته).
وحدن (1979)
الألبوم الأول والوحيد الذي لربما التزم فيه زياد بشيء من الكلاسيكية المألوفة لدى الأخوين الرحباني. لكن ذلك لم يمنع وصلاته الطويلة على البيانو التي مهدت لصيحة فيروز المدوية بكلمات طلال حيدر في الأغنية الرئيسية التي رسخت في وجدان المستمعين لعقود تالية: "يا ناطرين التلج/ ماعاد بدكن ترجعوا؟/ صرخ عليهم بالشتي يا ديب بلكي بيسمعوا".
ضم الألبوم الأيقوني أربع روائع إضافية هي: "حبيتك تنسيت النوم" من كلمات جوزيف حرب، و"أنا عندي حنين" من كلمات الأخوين الرحباني، و"البوسطة" و"بعتّلك يا حبيب الروح" من كلمات زياد.

هدوء نسبي (1985)
المدخل الأساسي لفهم زياد الرحباني، ورؤيته الفنية، وعبقريته كمؤلف موسيقي، وحتى علاقته بآلة البيانو. تحول الألبوم بعد صدوره إلى وثيقة تاريخية عن لبنان خلال الحرب الأهلية. تضم مقطوعات موسيقية بشكل أساسي، كما كتب بنفسه كلمات أغنيتي "ما تفل" و"خلص" التي غنتهما أصوات نسائية بدت كصدى للموسيقى التي تروي الحكاية الفعلية. في هذا الألبوم برزت روح الجاز بشكل واضح، لترسي توجه زياد الفني عبر ضربات البيانو ونفخات الترومبيت.

ألبوم معرفتي فيك (1987)
في ألبوم "معرفتي فيك" جاء زياد ليفرض رؤيته الخاصة المجدِّدة، التي أدخلت إلى الأغنية الفيروزية نغمات وتوزيعات موسيقية مُختلفة، تركزت بشكل أساسي حول الجاز. في "معرفتي فيك" قاد زياد رسميًا ثورة فيروز على صورتها القديمة.
قدّم الألبوم مقطوعة زياد الشهيرة "مقدمة 83"، وأغاني بطابع وطني مثل "تراب عينطورة" و"رح نبقى سوا"، إلى جانب الأغاني العاطفية التي همست فيها فيروز بأغانٍ عن الحب اختلفت عن كل ما غنته في السابق، مثل "معرفتي فيك" و"خليك بالبيت".

كيفك إنت (1991)
الألبوم الذي ضم أغاني مثل "مش قصة هاي" و"عندي ثقة فيك" حاصرته الكثير من الشائعات، يقول بعضها إن الأم غنت فيه، عبر كلمات ابنها وألحانه، رسائله حول حياته العاطفية الخاصة.
أما أغنية "كيفك إنت" الرئيسية، فكانت رسالة من فيروز لزياد، قام بعد ذلك بتلحينها، إذ التقى الاثنان صدفة في بيروت، بعدما اعتقدت فيروز أن ابنها مقيم في فرنسا، فقالت له بين المزاح والعتاب: "كيفك؟ قال عم بيقولوا صار عندك ولاد. أنا والله كنت مفكرتك برَّات البلاد". وامتدت الأغنية إلى مقطوعة إضافية ضمن الألبوم بعنوان "بروفا كيفك إنت" التي أخذت جمهور السيدة فيروز، لأول مرة في مسيرتها، إلى كواليس تسجيلها للأغاني، حيث سجل لها زياد صوتها وتعليقاتها على عملية التسجيل في الاستديو.

إلى عاصي (1995)
بعد تسع سنوات على رحيل الموسيقار والشاعر عاصي الرحباني، والد زياد، وطليق السيدة فيروز، صنع زياد ألبوم "إلى عاصي" إهداءً لذكراه. أعاد زياد في هذا الألبوم توزيع 18 أغنية من أرشيف الراحل عاصي، مقدمًا تصورًا موسيقيًا جديدًا لها على طريقته، جامعًا التوزيعات الشرقية بلمحات الجاز في أغاني مثل "نحنا والقمر جيران" و"هيلا يا واسع" و"يا مهيرة العلالي" وغيرها.

مش كاين هيك تكون (1999)
استنكر العالم العربي بأكمله أن تغني فيروز بعد رحيل عاصي كلمات أغاني مثل: "كان غير شكل الزيتون/ كان غير شكل الصابون/ وحتى إنت يا حبيبي مش كاين هيك تكون". تطلب الأمر بضع سنوات حتى استوعبت الذائقة الجماهيرية ما أبدعه زياد في أغاني هذا الألبوم، وأدركت كيف كانت الأم محقة في ثقتها بابنها.

Monodose- مع سلمى (2001)
من التجارب التي نشعر أن زياد كان يمرح ويستمتع وهو يصنعها. قدمته من جديد في قالب الأغاني الاجتماعية المليئة بالصور الطريفة من الحياة اليومية، عبر كلماته التي سمعناها بصوت الفنانة سلمى مُصفي، مثل "ولّعت كتير" و"مش بس تلفنلي" و"Un Verre Chez Nous". ألبوم جاز خالص، تفرد فيه مساحة لأصوات مختلف الآلات النفخية لتستعرض نفسها، فنسمع الساكسفون والفلوت والكلارينيت، علمًا بأن زياد لعب ضمن هذا الألبوم الإيقاعات بنفسه، إلى جانب البيانو والكيبورد والسنث طبعًا.

ولا كيف (2001)
صدر هذا الألبوم مع بداية الألفية الجديدة، ليضم خمس أغاني جديدة، وثلاثة اقتباسات عن ألحان عالمية، وضع لها زياد بصمته في الكلمات العربية، مثل "بيذكّر بالخريف" المأخوذة عن مقطوعة "Autumn Leaves" لجاك بريفيرت وجوزيف كوزما وأغنية "شو بخاف" المأخوذة عن لحن "Manha de Carnaval" لـ لويز بونفا وأغنية "لا والله" المأخوذة عن أغنية مكسيسكية بعنوان "La Bama".
أما بين الأغاني الأصلية كليًا، فغنت لنا فيروز في هذا الألبوم "صباح ومسا"، التي خرجت من مشاعر الأسى والإحباط في الحب، لتصبح أنشودة يحفظها وجدان العالم العربي.

معلومات أكيدة- مع لطيفة (2006)
فوجئ الجمهور العربي بصدور هذا الألبوم جامعًا زياد بلطيفة، التي كانت حينها محسوبة على أغنية البوب العربية، فقدمها هو بتوجه موسيقي مختلف عن كل ما غنته عبر مسيرتها الطويلة، وأكد مجددًا أن رؤيته الخاصة هي التي تقود جميع مشاريعه الموسيقية، أيًا كان الفنان الذي يؤديها.
مؤخرًا أعلنت الفنانة لطيفة، عبر بيلبورد عربية، أن في حوزتها ألبومًا ثانيًا جمعها بزياد، نٌفِّذ عبر السنوات الماضية وأصبح جاهزًا، وأنها بصدد طرحه في الفترة المقبلة. ما يعني أنها إذا قررت المضي قدمًا في هذه الخطوة، سيحظى الجمهور بفرصة أخيرة لسماع ألبوم كامل من صناعة الموسيقار الراحل.

ايه في أمل (2010)
قبل التجربة المتواضعة مع ابنتها ريما الرحباني (لم يتضمن أغاني أصلية وإنما اقتباسات لألحان وكلمات أغاني عالمية) كان "إيه في أمل" آخر ألبوم طويل رسمي في مسيرة السيدة فيروز، وآخر ألبوم لها مع زياد. كذلك كان حفل بيروت الذي تبع صدوره هو المرة الأخيرة التي تقف فيها فيروز على المسرح.
صدر ألبوم "إيه في أمل" قبل أشهر قليلة من أكبر المنعطفات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية متمثلةً بثورات الربيع العربي. المصادفة هذه رسخت أغاني الألبوم في أذهان الجمهور كذكرى للموسيقى التي رافقتهم في تلك الحقبة. أما بمعزل عن السياق التاريخي للألبوم، فقد كان هذا المشروع، عبر أغاني مثل "قال قايل" و"كل ما الحكي" و"إيه في أمل" وغيرها، فصلًا ختاميًا بالغ المثالية لفيروز، التي كانت تطوي حينها ستة عقود كاملة من مسيرتها الموسيقية.
