بعد سلسلة من التلميحات والتشويق، أبصر النور أخيرًا التعاون المنتظر بين محمد منير وويجز بعنوان " كلام فرسان "، ضمن الجزء الثاني من ألبوم "عقارب". دويتو لا يقتصر على الجانب الموسيقي فقط، بل يحمل في جوهره رمزية عميقة لجسر ممتد بين جيلين يبدوان للوهلة الأولى على طرفي نقيض.
منير صوت جيل البومرز وصاحب المسيرة التي تمتد لأكثر من أربعة عقود، يقف على الضفة المقابلة من ويجز، ابن جيل زد وأحد أبرز وجوه الموجة الجديدة من الراب والبوب البديل. ومع ذلك لم يكن هذا اللقاء عبثيًا ولا من قبيل الاستعراض بل بدا كأنه حوار إنساني وفني بين حكمة التجربة و اندفاعات الشباب
كتب كلمات الجزء الخاص بمنير الشاعر أمير طعيمة فيما تولى ويجز كتابة الجزء الخاص به، فيما تولى الانتاج الموسيقي كلا من حسين جمال و تودور مونرو، وقد تم تصوير الدويتو فيديو كليب مع المخرج إدجار استيفز
ويجز يفتتح الحديث لدخول الكينج
يفتتح ويجز الأغنية بنبرة شكاكة من العالم من حوله، كاشفًا عن صراعاته الداخلية وانتقاداته للمجتمع:"أنا جدع/ أنا أناني/ وطيبتي مش عجباني/ خلق منفقاني/سنداني خلاني". ثم يمضي ليؤكد أن موهبته هي ما صقل مسيرته لا الحظ ولا الإرث ليمر بلحظة مراجعة شخصية تختلف كثيرًا عن نبرته السابقة في تراكات مثل "تنكر" حيث كان التفاخر بالمكاسب المادية حاضرًا. هنا نرى ويجز أكثر صدقًا وأكثر وعيًا بما يواجهه.
من دون مقدمات مباشرة يأتي صوت محمد منير الدافئ والحكيم والشفاف، على خلفية توزيع شرقي مشبع بالوتريات ليغني:"فيه ناس جوا قلوبهم دفا/ وقلوب اللي بتجرح في الخفا". تشعر كأن الأغنية تحوّلت من فضفضة فردية إلى حوار بين جيلين فيه قدر من الاحتواء والتوجيه لكن دون وصاية.
حكم أولي
أحد أبرز ما يميز هذا العمل هو التوزيع الموسيقي المتوازن، شيئًا أشبه بالمشي على الحبل، أتاح لكل من الفنانين مساحة للتعبير بأسلوبه الخاص دون أن يطغى أحدهما على الآخر. بدا ويجز كأنه يتخلّى ولو جزئيًا عن حدة الأداء الرابي متجهًا نحو صوت غنائي أكثر نعومة، أقرب إلى أسلوب منير. في المقابل حافظ منير على نبرته المألوفة، ولكن بإحساس جديد نابع من حيوية التجربة.
لم يخل الحوار من بعض الحكم الحياتية مثل "أصل الصاحب ساحب"، كما كان هناك بعض الجمل على هذا المنوال يتقاسم الثنائي الأداء فيها بشكل متناغم مثل:"يا ماشي في البطال/ تفضل عينيك سهرانة". عبارات لا تحمل وعظا مباشرا بل تبدو كخلاصة خبرات حياتية يمررها منير لويجز بلطف في حوار فني بعيد عن التنظير أو الإرشاد المباشر.
رغم تكرار الوعكات الصحية التي ألمت بمحمد منير مؤخرا إلا أن حضوره في المشهد الفني لا يزال متقدا. هو فنان لا يتوقف ويبدو أن الموسيقى- كما يقول المقربون منه- هي ما تبقيه في حالة حياة متواصلة. هذا التعاون يأتي ضمن سلسلة من الإصدارات والتجارب الجديدة التي يخوضها دون خوف من الاختلاف ودون محاولة لركوب الموجة بل بدافع الشغف نفسه الذي حمله منذ بداياته.
من جهته يبدو ويجز أكثر نضجا في هذه التجربة بل يبوح ويتأمل. وهو ما يجعل من هذا التعاون خطوة مختلفة لا تشبه ما قدمه سابقا لكنها قد تكون نقطة انعطاف نحو مرحلة أكثر عمقا في مسيرته






