لربما كان الشاعر الغنائي تامر حسين من أكثر كتاب الأغاني إسهامًا في ساحة الإصدارات للعام 2025. لكن رحلته ليصبح من الأسماء المهيمنة على الساحة المصرية، وفي مسيرة أبرز فنانيها، كانت قد بدأت قبل حوالي عشرين عامًا.
منذ بداياته مع الملحن عمرو مصطفى في 2003، مرورًا بأغنية "أجمل قصة حب" التي كتبها لحسام حبيب عام 2006، أثبت تامر حسين أنه شاعر مختلف قادر على صياغة خطاب شبابي مؤثر. لم يكتفِ بذلك، بل قدّم أعمالًا لعمرو مصطفى في ألبومه الأول "علامة في حياتك" عام 2008، أبرزها "سرحت فيك" و"منساش". تلك النجاحات فتحت أمامه الباب الأكبر: ترشيحه من عمرو مصطفى لكتابة الأغنية الرئيسية في ألبوم عمرو دياب "وياه" عام 2009، لتبدأ رحلة استثنائية.
بعدها لمع اسم تامر سريعًا، فكتب لأهم نجوم البوب العرب مثل محمد حماقي، حسين الجسمي، بهاء سلطان، أصالة، شيرين عبد الوهاب، تامر عاشور، محمود العسيلي، أحمد سعد، والأخرس. قدرته على التنقل بين أنماط موسيقية متنوعة دون أن يفقد بصمته الخاصة جعلته من أبرز شعراء جيله.
لكن رغم هذا الانتشار، تظل علاقة تامر حسين وعمرو دياب الأكثر رسوخًا. فمنذ "وياه" وحتى ما قبل ألبوم "ابتدينا" في صيف هذا العام، قدّم تامر أكثر من 60 أغنية للهضبة، لتصبح هذه الشراكة من أطول وأكثر التعاونات نجاحًا واستمرارية في البوب العربي.
وفي عيد ميلاده، نعود إلى مختارات من أبرز المحطات التي جمعتهما: من التجريب الإلكتروني، إلى الأغاني الصيفية المبهجة، إلى التراكات العاطفية والإلكترونية التي صنعت بصمة خاصة يصعب تكرارها.
البدايات الإلكترونية: المشاعر المكثفة والهوك الرنان
كانت البداية مع ألبوم "وياه"، حيث كتب حسين الأغنية الافتتاحية. في تلك الفترة، كان الهضبة يتجه بوضوح نحو الموسيقى الإلكترونية بالتعاون مع الموزع حسن الشافعي. والكتابة لهذا اللون ليست سهلة، إذ يسيطر البيت على انتباه المستمع بسرعة، مما يجعل النص بحاجة إلى تكثيف المشاعر وصياغة جُمل أو "هوكات" قوية تعلق في الأذن. وهنا نجح تامر من أول مرة، فخلق عالَمًا حالِمًا يدور حول العشق الكلي لشخص واحد، أعاد تقديمه أيضًا في "شفت الأيام" عام 2014.
وفي ألبوم "بناديك تعالى" (2013) كتب اللازمة التي تحولت لظاهرة اجتماعية، إذ ترددت في الشارع المصري لسنوات بعد صدورها. ومرة أخرى، عاد عام 2021 ليجدد اللعبة بأسلوب مختلف في "اتقل" عبر القافية الواحدة المكثفة، فمزج كلمات رنانة بلحن هاوس صاخب يحمل لمسة تشويش، ليؤكد قدرته على صناعة هوك لا يُنسى.
من النهارده عمرو دياب جديد خالص
الهضبة لا يكتفي بالتجديد، بل يفاجئ جمهوره دائمًا بما لا يتوقعه. لحظة صدور "يوم تلات" كانت كفيلة بإحداث جدل واسع: انقسم الجمهور بين من استغرب اللون الشعبي البسيط في الكلمات، ومن وجد نفسه يردد اللازمة بلا توقف. لكن كعادة عمرو دياب، سرعان ما تحولت الصدمة الأولى إلى واحدة من أبرز هيتهاته في العقد الأخير.
أغاني مثل "يوم تلات" و"قدام مرايتها" من ألبوم "سهران" (2019)، وأغنية "شكرًا" من ألبوم "يا أنا يا لا" (2020)، كسرت القوالب المألوفة التي اعتادها جمهور الهضبة، لتدخل قاموسه اللغوي مفردات الشارع والمصطلحات الشعبية بخفة، مثل: "يوم تلات تلت بنات نهدهوني" أو "مش طالبة زعل الليلادي / واللي بيتلكك سلام". حتى التعبيرات الحميمية اليومية أخذت مساحة جديدة، مثل: "قدام مرايتها / عادي / بتدلع براحتها". وفي نفس السياق جاءت أغنية "انت الحظ" عام 2021 بعبارات مباشرة مثل: "اللي يغير يغير واللي يجز يجز".
راعي البهجة وهيتات الصيف
من أول جملة احتفالية في "هالله هالله" من ألبوم "بناديك تعالى" (2013)، إلى القافية المزدوجة في "يتعلموا" من ألبوم "كل حياتي" (2018)، يظهر دور تامر حسين الواضح في صناعة النغمة اللغوية المبهجة لهيتات الهضبة الصيفية.
في "أماكن السهر" (2020) نجد وصفًا شاعريًا يعكس روح العطلة الصيفية: البحر، الموج، الليل، والقمر الذي ينعكس جماله على كل شيء. بينما تحمل أغنية "هتبتدي الحكايات" من ألبوم "شفت الأيام" (2014) نفس طاقة التفاؤل التي نجدها في "ابتدينا" (2024)، لتصبح رمزًا لبدايات جديدة، سواء كانت عاطفية أو شخصية، بقدر ما هي مرآة لحماسة الانطلاق من جديد.
حزن عميق وألم دفين
في "أنا مش أناني" من ألبوم "شفت الأيام" (2014)، يفتح تامر حسين جرح العلاقة السامة ويقدّم سردية كاملة للبطل الذي يتمرّد بعد سنوات من الصمت والانتظار. الأغنية تتنقّل بسلاسة بين لحظات الألم الداخلي والغضب الصريح، لتكون اعترافًا حادًا بالخذلان والقرار الحاسم بإنهاء تلك الدائرة.
وعلى النقيض تمامًا تأتي "خليك فاكرني" من ألبوم "أحلى وأحلى" (2016)، كوصية حنونة مليئة بالرجاء، يعبّر فيها البطل عن شدّة تعلّقه مستخدمًا أسلوب الأمر الرقيق في الكوبليهات، وكأنها محاولة يائسة للإمساك بالذاكرة العاطفية حتى لو انتهى الحاضر.
العلاقة بالوطن والمكان
من أكثر المحطات خصوصية في مسيرة تامر حسين كانت مع أغنية "القاهرة" (2016)، التي جمعت الهضبة عمرو دياب بالكينج محمد منير في ديو طال انتظاره. الأغنية جاءت كغزل حقيقي للعاصمة المصرية: شوارعها المزدحمة بالحكايات، سهرات مقاهيها، جولات النيل مع الأصدقاء، وألفة الليالي التي تجعل المستمع يشعر بالاحتضان والانتماء. لاحقًا، كتب تامر أغنية إعلان "يا بلدنا الحلوة" (2020)، حيث وسّع عدسته ليلتقط جماليات مصر كلها: من العاصمة للهامش، ومن الدلتا إلى الصعيد، مانحًا صورة إنسانية نابضة بالحياة للبيئات المختلفة التي تشكّل الهوية المصرية.