قدَّم أحمد السقا ما يعد واحد من أنعم وأدفأ المسلسلات العربية في السنوات الأخيرة، بالرغم من كون موضوع المسلسل الرئيسي يتناول حكاية بطل فنون قتالية متقاعد يعاني من بوادر مرض الزهايمر. حرصت المخرجة مريم أحمدي بالتعاون مع الموسيقار خالد الكمار على توظيف الموسيقى لربط تفاصيل المسلسل بشكل قوي، بدايةً من أسماء الحلقات التي استخدمت في عنوانها الثانوي كلمات من أغاني معبرة عن أحداث كل حلقة مثل "ساعات أتوه مرات" من أغنية حواديت لمحمد منير، و"في الطريق كتير مشينا واتنسينا" من أغنية ذكريات لعمرو دياب، و"كان أهون عليا لو كان قاللي" من أغنية "إن كنت غالي" لعايدة الأيوبي.
ليس من الجديد على خالد الكمار التعبير بموسيقاه عن شخصيات غير اعتيادية ذات أبعاد نفسية عميقة، حيث عمل على موسيقى مسلسلات مثل "خلي بالك من زيزي" و"قابيل" و"الهرشة السابعة"، وغيرها من المسلسلات التي تحتوي على شخصيات بهذا العمق النفسي المعقد. فبالرغم من أن أحداث جولة أخيرة تدور حول لاعب فنون قتالية متقاعد وجولاته الأخيرة في هذه اللعبة، إلا أن المسلسل في صميمه يدور بشكل كبير حول العلاقات المعقدة بين الشخصيات وخصوصًا بين الأبناء والآباء/ الأمهات وهو ما لخصه سيناريو وحوار أحمد ندا ومحمد الشخيبي على لسان شخصية السقا حين قال "احنا بنعمل كل ده ليه يا كوتش.. مش عشان عيالنا؟". كما احتوى المسلسل على الكثير من المواضيع التي قلما يتم تمثيلها في الدراما العربية وهو ما يستوجب الإشادة بفريق العمل وعلى رأسهم المخرجة مريم أحمدي.
وازن الموسيقار خالد الكمار بين موسيقى المسلسل التصويرية والأغاني المستخدمة في المسلسل. تمايلت الموسيقى التصويرية بين الوتريات والبيانو والجيتار الإلكتروني للتعبير عن مشاعر معقدة مثل القلق والضياع وحتى الرومانسية اليائسة، أما الأغاني فتم اختيارها بحكمة لتتماشى مع مشاعر كل شخصية وثقافتها. من بين بعض هذه الأغاني نسمع "عكس عكاس" و"مسرح الجريمة" لدينا وائل والوايلي، وقد كان الأخير بنفسه بين الأسماء البارزة في الفترة الماضية في إنتاج الموسيقى للمسلسلات. كما قام الوايلي كذلك بتوزيع بعض أغاني المسلسل الأصلية التي لم يتم إصدارها بشكل فردي بعد، مثل "وسط الدوشة" و "الحب مش لايق عليا" لدنيا وائل مع هاني الدقاق عضو فريق مسار إجباري، وأغنية شارة المسلسل "شلوط الدنيا" التي كتبتها آمار مصطفى ولحّنها وغنّاها هاني الدقاق لتعبر عن معضلة بطل يطارد ماضيه: "انا كنت شجيع السيما/ في نكتة قديمة".
أما أكثر الأغاني الأصلية التي ناسبت جانب الأكشن من المسلسل، فكان تراكًا حصريًا بعنوان "خايف من المستقبل" من تقديم الرابر الصاعد مهدي. واحتوت بلايليست شخصية يحيى التي يقوم بها السقا على أغاني تتماشى مع فترة شباب الشخصية وصراعاتها الحالية، فظهرت الشخصية تستمع للكثير من أغاني التسعينيات والألفينات مثل "عودة" لحميد الشاعري و"ذكريات" لعمرو دياب و"حرية" و"حواديت" لمحمد منير وغيرهم.
أما عن الثيمات الموسيقية للشخصية فتنوعت بين الأبواق التي توحي بملحمية غابرة، والوتريات التي تعبّر عن توتر الشخصية واحساساها بالضياع، كما خرج الكمار عن المألوف واستخدم السنث للتعبير عن حالة الرومانسية اليائسة بين يحيى وعليا في تراك "بصيص من الأمل" ليصف حبًا لا يعرف أصحابه مصيرهم. كما اختار أن يعبر عن ذكريات البطل الضائعة في تراك "أبي الذي ينساني وأنساه"، بنغمات بيانو تبدو كقطرات مطر متساقطة.
بالحديث عن شخصية الأب نور التي لعبها الفنان رشدي الشامي بإبداع، واعتمد بشكل كبير على استخدام كلمات أغاني السيدة أم كلثوم للتعبير عن حاله ومشاعره بشكل غير مباشر، نسمع شخصيته التي تعاني من مرض الزهايمر تدندن كلمات مثل "بس انا نسيت الابتسام/ زي ما نسيت الألام" من أغنية "فات الميعاد"، أو "واتغيرت شوية شوية/ اتغيرت ومش بإيديا" من أغنية "إسأل روحك" وربما كان أكثر هذه الأبيات تأثيرًا هو "كنت بشتقلك وانا وانت هنا/ بيني وبينك خطوتين" من أغنية "بعيد عنك" من كلمات الشاعر الكبير مأمون الشناوي، حيث تُلخص هذه الأبيات مأساة مرض الزهايمر الذي يبعد المريض عن أحبابه حتى وهم بالقرب منه.
أما ثيمة شخصية إبنة البطل فريدة التي تؤديها ملك فهمي، فتعتمد على إعادة توزيع للحن أغنية "أنا شجيع السيما" من أوبريت الليلة الكبيرة ومزجها بوتريات تضفي طابع من النوستالجيا وتعبر عن افتقاد الشخصية لجزء من ماضيها. كما استخدمت الشخصية سماعاتها لمواجهة الواقع ونوبات القلق فكان ضمن البلايليست الخاصة بها أغانٍ مرتبطة بما تمر به من الأحداث مثل أغنية "مسرح جريمة" لدنيا وائل والوايلي التي تقول أحد أبياتها "مجمد نفسك/ عامل فيها شجيع السيما" وهو ما يتماشى مع لقب شخصية البطل وحقيقة أن فريدة نفسها مثل كثير من شخصيات المسلسل تتظاهر بالقوة لإخفاء القلق والخوف. من بين الأغاني الأخرى المثيرة للاهتمام على بلايليست فريدة هي أغنية "بيبة" لريم ومولوتوف المأخوذة من أغنية شيريهان وعبلة كامل بنفس الاسم من فيلم عرق البلح.
مع ذلك، غابت الأغاني ذات العمق عن خلفية بعض الشخصيات لإضفاء طابع من الغموض مثل شخصية شبكة التي يلعبها علي صبحي، واكتفى الكمار بترافق ظهورها مع أسطر من البيس والجيتار الإلكتروني، ليعبر عن التناقض بين التقلبات الحادة لمشاعره في مقابل تصرفاته المحسوبة. وكذلك شخصية عليا التي تؤديها أسماء أبو اليزيد، فقد ظهرت في مشاهدها أغاني تعبر عن مشاعر شخصية يحيى، أو أغاني مبهجة أكثر من اللازم مثل "مخصماك" لنوال و"مسيطرة" للميس كان لتتماشى مع بيئة الشخصية وتناقض حزنها. مع ذلك، رأينا تعبيرًا صريحًا بمشاعر الشخصية، في مشهد تغني فيه أسماء أبو اليزيد بصوتها المميز موال "لو تحب الزين استنى" كتهويدة لشخصية يحيى، وقد صرّح السيناريست محمد الشخيبي لبيلبورد عربية أنها أغنية كتبها مؤلف المسلسل أحمد ندا خصيصًا للعمل.
يعدُّ جولة أخيرة أول عمل درامي عربي من إنتاج شركة أمازون برايم بالتعاون مع شركة سيدرز آرت برودكشن، وقد قام فريق العمل بإهداء المسلسل لروح المخرج الراحل صلاح السقا والد الفنان أحمد السقا، الذي كان من أبرز أعماله أوبريت العرائس الشهير "الليلة الكبيرة" من كلمات صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي. احتوى ذاك الأوبريت على شخصية شجيع السيما، والتي تضمن المسلسل الكثير من الإسقاطات والإشارات إليها.