تمكّن سليم عساف، خلال مسيرة تمتد إلى ٢٠ عامًا، من ترسيخ اسمه كأحد أهم صنّاع الأغنية العربية الحديثة، كاتبًا وملحّنًا يملك حسًّا قادرًا على تحويل الكلمة إلى مشهد، والمشهد إلى حالة شعورية تعيش طويلًا في ذاكرة المستمع. لم يكن حضوره الفني وليد المصادفة، بل ثمرة رؤية واضحة، وصوت داخلي يعرف تمامًا كيف يصوغ القصص في أغانٍ تمشي بخفّة بين القلوب.
بدأت محطّاته مع نجوم الصف الأول مبكرًا، فكان التعاون مع وائل كفوري من أبرز العلامات التي أسهمت في انتشار أعماله، حيث شكّلت الأغنيات التي جمعتهما حالة فنية لاقت انتشارًا واسعًا، وأصبحت جزءً من ذاكرة جمهور كبير.
ومع مروان خوري ورامي عياش، قدّم عساف أعمالًا متنوّعة بين الرومانسي والعاطفي والإيقاعي، عكست قدرته على أن يكتب لكل صوت ما يشبهه وما يليق به، وأن يمنح كل فنان بصمته الخاصة دون أن يفقد هويته هو.
عساف مع نجوم كرم
التعاون مع نجوى كرم تحوّلت فيه الأغنيات إلى لقاء فني مكتمل، أعمال مثل "نوّر أيامي" و"يا بيّ" و"لو بس تعرف" شكّلت محطات مؤثرة في مسيرة الطرفين. فيما شهد التعاون مع صابر الرباعي أعمالًا ذات عمق وجداني مثل "نمشي ونمشي" و"يا عسل"، حملت الكثير من الشجن والأناقة الموسيقية.
لاقت أعماله مع كارول سماحة وسيرين عبد النور ومايا دياب وديانا حداد وفارس كرم نجاحًا كبيرًا. كانت نتيجة هذا التنوع مساحة غنية أظهر فيها عساف قدرته على الجمع بين الجرأة والرومانسية والهوية الإيقاعية المعاصرة.
ولم تتوقف مسيرته عند هذا الحد، بل امتدت إلى تعاونات مع أسماء لامعة مثل إليسا، ماجدة الرومي، يارا، ونانسي عجرم، وهي أعمال رسّخت حضوره العربي الواسع وأثبتت أنه من الأصوات القليلة القادرة على صوغ خطاب موسيقي متين لا يُشبه سواه.
سليم عساف في سجل طويل
أعماله الخاصة كانت خطوة إضافية نحو تثبيت مكانته كفنان مكتمل. فقدّمت أغنيات مثل "غنّولو" التي تحوّلت إلى نشيد للاحتفالات والمناسبات، و"جمالو" التي جمعت بين الروح اللبنانية الأصيلة والأسلوب المعاصر، لتكشف جانبًا آخر من شخصيته الفنية التي تعرف كيف تُدخل الفرح إلى الأغنية دون أن تفقد عمقها.
في الأرشيف الخاص بالفنان محطات لا تُنسى، من بينها تعاونه مع رويدا عطية في “شو سهل الحكي”، التي نالت جائزة الموريكس دور وحققت انتشارًا واسعًا بفضل صدقها وقوة تعبيرها. كما حملت أعماله مع نانسي عجرم صورًا موسيقية راسخة مثل "حلم البنات" و"يا عيد" و"إنسى" وفي مسيرة رامي عياش، شكّلت أعمال مثل "اشتقتلك" و"ضمّيني" و"مجنون" محطات حاسمة في علاقة الجمهور بالرومانسية العربية الحديثة.
"عساف خالدًا في "اشتقتلك" و"مجنون
ولا يمكن نسيان ديو مع مايا دياب، وأعمال أيمن زبيب “بالروح بالدم”، إضافة إلى “بوّست تيابك” لنجوى كرم، و"شو هيدا" لنادر الأتات، و"الحقّ علينا" و"طلّوا علينا" لمروان الشامي، وصولًا إلى تعاونات مع عاصي الحلاني حملت روح الفلكلور بلمسة عصرية.
وبعيدًا عن الرصد الموضوعي، تبقى هناك مساحات يترك فيها الفن أثره الشخصي. عل سبيل المثال تُعد أغنيتا "اشتقتلك" و"مجنون" من الأعمال التي دخلت تاريخ الموسيقى العربية الحديثة لأنها لا تُشبه سوى لحظتها الأولى. أغنيات لم تُكتب لتكون ناجحة فحسب، بل لتكون شاهدة على مرحلة موسيقية كاملة، على شغف وجرأة وصوت جديد جاء ليبقى.
ربما لهذا تحديدًا، ما زالت هاتان الأغنيتان تعيشان اليوم كأنهما وُلِدتا أمس، أو أن هذا واحدًا من أسرار سليم عساف: أنّ أعماله تُخلَّد لأنّها صادقة.





