ترافق الدفوف اليوم معظم الفعاليات الطربية في المملكة، من الحفلات الموسيقية إلى الأغاني المسجّلة، بعد أن ظلّ الاعتماد عليها منفردةً لعقود طويلة في الفنون الأدائية، حتى باتت لونًا شعبيًا قائمًا بذاته يحظى بحضور واسع في المجتمع السعودي. لكن كيف تحوّل ضرب الدفوف إلى ما يُعرف اليوم بـ "الطَّق"؟
ضرب الدفوف ضمن الثقافات العربية المختلفة
في العديد من الثقافات العربية، يُعدّ ضرب الدفوف من أعرق وأشهر أشكال الاحتفال والموسيقى الشعبية. فالدفّ – أو الطار في بعض اللهجات – آلة إيقاعية بسيطة تتكوّن من إطار خشبي أو معدني مشدود عليه جلدٌ رخيم، وقد تُثبَّت عليه الصنوجات، وهي رقائق معدنية تُصدر رنينًا مع كل ضربة. ويشيع استعمال الدفوف في عدد من الدول والمناطق العربية، خصوصًا في المناسبات الاجتماعية والشعبية.
في الخليج مثلًا، يعدّ هذا اللون من أهم الركائز الموسيقية، ويُستخدم بكثافة في الأغاني الخليجية الحديثة والكلاسيكية. أمّا في العراق، فيبرز حضوره في مدن معيّنة مثل الموصل، خاصة في المناسبات الدينية والتكايا الصوفية. ويُطلق على ضرب الدفوف مصطلح "الطَّق" في بعض المناطق، ومنها السعودية، في إشارة إلى إحداث الطَّق أو القرع المنتظم على سطح الدف، وهو عنصر أساسي في الإيقاعات الشعبية والاحتفالية.
وتختلف طرق استخدام الدفوف وألحانها والآلات المصاحبة لها من منطقة إلى أخرى داخل المملكة. ففي نجد مثلًا تُستخدم في ألوان موسيقية تُرافقها أداءات مثل العرضة، التي بدأت كأهازيج حرب، ثم تحوّلت اليوم إلى فنّ يُقدَّم في استقبال كبار الشخصيات وفي المسيرات والأعياد والاحتفالات الوطنية على مستوى المملكة. وفي مناطق أخرى، تُستخدم الدفوف منفردة مع الغناء في حفلات الزفاف لزفّ العريسين، خصوصًا في غرب المملكة، كما ترافق الفنون الأدائية التراثية في المنطقة مثل المجرور.
وفي لفتة لافتة، قدّمت جولة روائع الأوركسترا السعودية استخدامًا احتفائيًا للدفوف وأثرها في الميراث الشعبي، عبر دمج إيقاعات الطق مع العزف على برميل أخضر خلال عرضها في نيويورك، لتقدم رمزيات سياسية واقتصادية ضمن إطار موسيقي معاصر، الأمر الذي لاقى إشادة واسعة من الجمهور.
الطقاقة: قلب الإيقاع في حفلات الزفاف
اعتاد حضور حفلات الزفاف في الخليج رؤية "الطقاقة" منذ عقود، وهو لقب يُطلق على من تتقن الغناء والضرب على الدفوف. وتكمن مسؤوليات الطقاقة في قيادة الإيقاع والتحكّم في أجواء الحفل، إلى جانب قيادة فرقة موسيقية تتكوّن من العازفات والردّادات اللواتي يتولين أداء الكورال.
لحفلات الزفاف الخليجية طابع خاص يختلف باختلاف المناطق. فوجود الطقاقة غالبًا ما يرتبط بوجود "المهلّية"، وهي السيدة التي تقف عند المدخل لترحّب بالضيوف بأسمائهم وأسماء عوائلهم تكريمًا لهم. غير أنّ هذه العادة بدأت بالتراجع منذ مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة، واستُبدلت بفقرات غنائية تُخصّص لكل عائلة وتقدّمها الطقاقة أو المطربة.
الطَّق ومساحات تحتفي به في المملكة
يظلّ الطق حاضرًا في كثير من الأغاني السعودية التي اعتادتها الأذن، كما يبرز في فعاليات تحتفي بهذا اللون داخل المملكة، من أبرزها "مهرجان الطار" الذي اختُتم في أغسطس/آب 2025 بمشاركة أسماء بارزة في الفن السعودي مثل موضي الشمراني ودحوم الطلاسي، إلى جانب فعالية "جلسة طقّ" التي تقدّمها مساحة ذا ويرهاوس في الرياض بشكل مستمر احتفاءً بهذا الإرث الإيقاعي.






