من قرية كفرفيلا بجنوب لبنان جاءت أمل حجازي، عاشت طفولة قاسية بعد أن فقدت خلالها والدها وهي في العاشرة، ثم ضاعفت الحرب الأهلية معاناتها فهاجرت هي ووالدتها إلى فرنسا هربًا من دوي الرصاص، ومع اللحظات الأولى لاستقرار لبنان عادت باحثة عن حلم الشهرة في استوديوهات المخرج سيمون أسمر، الذي منحها فرصة المشاركة ببرنامج "كأس النجوم" عام 1998.
لم تدخل أمل جنة سيمون أسمر مثل مواهب أخرى نالت رعايته الحقيقية، فبعد حصولها على المركز الثاني بالبرنامج انخرطت في نوبة بكاء لشعورها بأحقيتها في اللقب، وبدلًا من أن يواسيها سيمون قال لها: "شوفي لك شي شغلة تانية". هذا ما كشفته أمل في لقاء مع برنامج "بلا تشفير" بتلفزيون الجديد عندما سٌئلت عن أصحاب الفضل في مسيرتها، بل وقالت: "خلى عندي رغبه في الانتقام لأنه قالي هيك، بس لو في حدا صاحب فضل حقيقي علي فهو المنتج جان صليبا".
بالفعل كان جان صليبا صاحب الفضل في تقديم أمل حجازي للساحة، وذلك بالتزامن مع نشوب خلافات بينه وبين إليسا التي كانت نجمة شركته واكتشافه الأهم، فجاء بأمل ليصنع منها منافسة لها، وينتج ألبومها الأول "آخر غرام" عام 2001.
المقارنة مع إليسا
لم تحقق أمل نجاحًا كبيرًا في الألبوم الأول، خاصة وأنه بدا نسخة من ألبوم إليسا "بدي دوب"، وتحديدًا على مستوى التوزيع الموسيقي الذي قدمه جان ماري رياشي.
في الألبوم الثاني "زمان"، الذي صدر عام 2002 ، بدأت شهرة أمل الحقيقية عندما دخلت شركة "عالم الفن" شريكًا مع صليبا في الإنتاج، وجاءت بنجم الراي الجزائري فُضيل ليشاركها دويتو "عينك عينك" ليحقق نجاحًا كبيرًا. غير أن الألبوم ضم أيضًا أغنيتين من أنجح أغانيها وهما "زمان" التي كتبها إلياس الناصر على لحن "يوناني"، و"رومانسية" من كلمات محمد رفاعي ولحن محمد رحيم.
https://youtu.be/eWOzVcbso6Q?si=x8g_yz2h06OvQxZZ
في تلك اللحظة ظن جان صليبا أنه قادر على استبدال إليسا بأمل، فأطلق عليها لقب "ملكة الرومانسية" نكاية في صاحبة لقب "ملكة الإحساس"، ليخلق عداوة إعلامية مُفتعلة بين الفنانتين. وأشعلت الصحافة نيرانها أكثر بالمقارنات لدرجة دفعت أمل حجازي لتقول في لقاء مع طوني خليفة ببرنامج "لمن يجرؤ": "ما بغار من إليسا. هي بتغار مني لأنها عملت دويتو مع راغب علامة وأنا عملت مع فٌضيل، من هون بلشت السيرة بيننا".
https://youtube.com/embed/qCY2FSdDHXw
زاد من حدة المقارنة انتقال أمل إلى شركة روتانا في ثالث ألبوماتها "بتدور على قلبي" عام 2004. علاقتها بجان صليبا ظلت ممتدة حيث تولى إدارة أعمالها، ولحن لها 7 أغنيات في الألبوم.
لكن شبح إليسا ظل حاضرًا، حيث أصبحت النجمة الأهم في روتانا، وكأن الزمن يعيد نفسه. فزادت الصحافة من حدة تناولها للمقارنة بين الإثنتين، ما دفع أمل لإعلان رفضها للقب "ملكة الرومانسية" حين قالت في لقاء مع موقع العربية: "لم أسع لهذا اللقب ولم أعمل على حصر نفسي فيه، ولا أحب المقارنة مع فنانة أخرى".
معادلة الفن والزواج
توالت ألبومات أمل حجازي مع روتانا. ففي عام 2006 أصدرت ألبوم "بياع الورد" الذي سيطر على رؤيته الفنية جان صليبا بـ 6 أغاني من ألحانه. إلا أن هذا الحضور تقلص إلى أغنية واحدة فقط في ألبومها التالي "كيف القمر" عام 2008 ، مقابل 5 أغنيات للملحن هيثم زياد. كما زادت استعانتها بالملحنين المصريين مثل نادر نور ومحمود خيامي.
https://youtu.be/VDe_yN_cwB0?si=sNUgM-YutWlZbZfQ
بالتزامن مع هذا الاستقرار الفني طَرَق الاستقرار العاطفي أبواب قلبها، فتزوجت من رجل الأعمال محمد البسام، وسارت حياتهما بشكل هاديء ليثمر الزواج عن طفلين أصبحا نواة جديدة لبناء أسرة سعيدة.
في الفن يصعُب أن تربح كل شيء، فلا وصفة واضحة لتحقيق النجاح الفني والعائلي على التوازي، ولا نتيجة ثابتة، في الغالب، لمعادلة "الفن في مواجهة الأسرة". صحيح أن أمل حاولت الموازنة بين المسيرتين قدر الإمكان، إلا أن المنافسة مع نجمات روتانا كانت أشرس من أي توافقات.
في عام 2010 أطلقت أمل ألبوم "وينك من الله" الذي كان آخر تعاوناتها مع روتانا، وبداية خلافات طويلة بينهما أدت إلى توقف مسيرتها الفنية لعدة سنوات، إلى أن دخلا ساحات القضاء لفض الاشتباك عام 2014 . خرجت أمل من المعركة برغبة مُلحَّة في الاعتزال، ظلت تؤجلها حتى عام 2017، عندما فاجأت جمهورها بمنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعلن فيه اعتزالها الفن وارتداء الحجاب.
عودة خجولة إلى الأضواء
توارت أمل حجازي عن الأنظار لما يقرب من سبع سنوات، حتى ظهرت في فيديو متداول العام الماضي وهي تتجول في أحد المراكز التجارية دون حجاب، فعادت سيرتها للحياة مجددًا في الأوساط الإعلامية، ما دفعها لتغرد عبر موقع "إكس" قائلة: "لم أخلع ديني، ولم أخلع أخلاقي، ولم أخلع إنسانيتي" في محاولة دعم ذاتية لقرارها الشخصي.
لم يستمر الجدل حول أمل في فضاء السوشيال ميديا طويلًا حتى نشرت الشهر الماضي صورة لها عبر حسابها على انستجرام بدون الحجاب، واكتفت بتعليق مختصر هو: Hello life (مرحبًا بالحياة)، لتثير جدلًا أكبر وتتصدر التريند، وتترك باب التساؤلات مواربًا حول مستقبلها الفني دون إجابة واضحة: هل ستعود للغناء أم ستكتفي بهذا الحضور الافتراضي؟