عادت لطيفة إلى جمهورها بأغنية منفردة جديدة تحمل عنوان "نتفكر" وقدمتها باللهجة التونسية، وذلك بعد أشهر قليلة من إصدار ألبومها الصيفي "قلبي ارتاح". تأتي الأغنية المنفردة الجديدة كفاصل فني مغاير بعد ألبوم حاولت فيه لطيفة ركوب موجة الأغنية العربية الجديدة الدارجة، لا سيما عبر التعاونات الجريئة التي خاضتها، بأغاني مثل "Sorry" مع مصطفى حدوتة وكولبيكس، اللذين يقفان وراء عدد من الهيتات المنتشرة خلال السنوات الأخيرة.
وقد بدا الألبوم حافلًا بالمحاولات الصريحة لصناعة هيت مصري جديد على غرار "مسيطرة" أو "مخاصماك"، كما تخلّلته تجارب عديدة تجاري الاتجاهات الحديثة في الأغنية المصرية، ما جعل "قلبي ارتاح" انجرافًا شبه كامل نحو صيغة السوق الرائجة.لكن أغنية "نتفكر" تختلف تمامًا في مناخها ومسارها، وجاءت بالتعاون مع الشاعر الغنائي ياسين الحمزاوي والملحن أمين القلسي، وبدت فيها وكأنها تعود إلى جذورها الإبداعية الأولى.
الزمن يعود والكليب يلم الشتات
تحمل كلمات "نتفكر" نبرة حنين صافية، حيث تتقاطع فيها ذاكرة الطفولة الأولى مع وجع البعد والغربة. تبدأ الأغنية من استرجاع صور بسيطة وعفوية: "نتفكر عندي كي تو / تصاور تتعدا قدامي / كنت غرامي / وكان العمر معاك حلو". هي صياغة تعتمد على بساطة اللغة ودفء الخطاب، وتعيد المستمع إلى علاقة أولى تتشكّل بين ممرات المدينة، ولحظات اللعب والاختباء، قبل أن تباعد الأيام بين العشاق كأوراق خريف تتناثر. هذه الروح الكلاسيكية، الحزينة والحميمة في آن واحد، تستعيد وجهًا لطيفة عُرفت به في مراحل معينة من مسيرتها، خصوصًا عندما قدّمت ألبومات "معلومات أكيدة" مع زياد الرحباني؛ حيث كانت العاطفة أكثر عريًا وصدقًا، بلا زينة تجارية.
في الكليب، يظهر الإخراج كامتداد لهذه الروح. فـفارس لفيف يقدّم صورًا نظيفة تستعرض جمال المكان وكأنه كليب سياحي، ولكنه لا يخلو من النوستالجيا أيضًا، حيث يذكّرنا، ولو بخجل، بملامح كليب "إن شاء الله".
حكم أوّلي
تبدو "نتفكر" تجربة أكثر نضجًا وعمقًا من الأغاني التي قدمتها لطيفة ضمن ألبوم "قلبي ارتاح". ليس لأنها باللهجة التونسية فحسب، بل لأنها تستعيد جوهر لطيفة الذي ضاع جزئيًا في محاولاتها الأخيرة لمجاراة موجات موسيقية سريعة التقلّب. في الألبوم، ظهرت لطيفة أحيانًا كمن تسعى لِمجاراة الجمهور لا لقيادته، بينما تقدّم "نتفكر" العكس تمامًا: عودة إلى الذات، وإلى حسها الفني الخاص الذي لطالما كان مصدر قوتها.
الأغنية لم تأتِ كمحاولة لصناعة هيت، بل بناء عالم عاطفي ينسجم مع خبرة لطيفة وتاريخها، ويقدّم صوتها في قالب يليق به. الإخراج والكلمات والموسيقى، كلها تشكّل وحدة متجانسة، بعيدة عن الصيحات العابرة. وهذا يجعل التجربة أكثر إقناعًا على مستوى الهوية الفنية، وأقرب إلى ما ينتظره جمهور لطيفة الأقدم:أغانٍ تُشبهها، لا أغانٍ تحاول اللحاق بالسائد.
باختصار، "نتفكر" ليست مجرد أغنية منفردة جديدة؛ إنها تصحيح مسار، ولمسة حنين أعادت لطيفة إلى المساحة التي تتألق فيها فعلًا.






