لم يكن زياد الرحباني عاشقًا تقليديًا، بل عاش الحب كما عاش السياسة: بعمق، وتمرد، وسخرية. خلف أشهر أغانيه تختبئ قصص حقيقية، من علاقات حقيقية، سمعناها بصوت فيروز أو بصوته دون أن نعرف أنها اعترافات عاطفية أكثر منها خيالًا فنيًا.
في العمق، تكشف هذه الأغاني عن رجل عاش الحب بقلق وكتبه بجرأة، واحتفظ بتفاصيله الصغيرة بين النوتات والكلمات. إليكم ستٌّ من أبرز الأغاني التي كتبها زياد الرحباني بعد تجارب عاطفية:
عندي ثقة فيك
من بين كل علاقات زياد الرحباني العاطفية، تبقى علاقته بالممثلة كارمن لبُّس هي الأكثر شهرة، والأكثر وضوحًا في انعكاسها على فنه. علاقة امتدت خمسة عشر عامًا، تقاطعت خلالها التجربة الفنية مع المشاعر العاطفية، وبقيت خالدة في ذاكرة الجمهور. الكثير من الأغاني التي كتبها زياد الرحباني كانت لكارمن لبُّس، كما أشارت بمقابلاتها، ولكن الأغنية الأكثر شهرة بينها هي أغنية "عندي ثقة فيك".
الأغنية التي أدّتها فيروز بصوتها الشفاف لاحقًا، كانت بالأصل رسالة حب خجولة وواثقة في آنٍ معًا، قدمها زياد لكارمن كهدية في عيد ميلادها، ليعيش معها لحظة كانت حميمية إلى حد بعيد: على البيانو، عزف زياد الأغنية بنفسه وغناها لها بصوته، لتبقى ذكرى خالدة في علاقتهما وتاريخ الفن العربي.
بلا ولا شي
لسنوات طويلة، ظلت أغنية زياد الرحباني الأكثر رومانسية ودفئًا مجهولة السياق، نسمعها ونتأثر بها ولكن دون أن ندرك أنها لحظة رومانسية أخرى عاشها زياد مع كارمن لبُّس، حتى صرحت هي بذلك لقائها مع الإعلامي هشام حداد في برنامج "لهون وبس".
أشارت كارمن أن الكثير من أغاني الرومانسية كُتبت لها، ولكنها وزياد اتفقا على عدم البوح بكل ما يتعلق بحياتهما الخاصة. لكن "بلا ولا شي"؛ أغنية الحب الزاهدة، ذات الهوى اليساري الثوري، إن كانت هي أغنية زياد الرحباني الرومانسية الوحيدة، فهي تكفي لفهم الرومانسية بمنظور زياد.
ولعت كتير
قد تكون أغنية "ولعت كتير"، التي غنتها سلمى سنة 2001، أقل رومانسية بكثير من باقي الأغاني المرتبطة بعلاقة زياد الرحباني بكارمن لبُّس، ولكن لها مذاق خاص، فهي مستوحاة من حياته معها في المركز الذي عاشا فيه لسنوات؛ المركز الذي كان يأوي الفنانين الذين يعبرون من بيروت الشرقية إلى الغربية، ليمارسون نشاطهم الفني هناك.
الأغنية بدلًا من أن ترصد اللحظات الرومانسية، تنقل هنا سخرية الآخر من الحالة الظرفية، من تفاصيل المكان الذي يعيش به زياد، والذي قد يكون كفيلًا بإبطال الحب. هذه الحالة التي وصفها زياد وكارمن بأنها حالة مؤقتة، مع سخرية ضمنية من المدة الزمنية الطويلة للوضع المؤقت بينهما.
عايشة وحدا بلاك
من بين الأغاني التي ترصد حياة زياد الرحباني العاطفية ويغلب عليها الطابع الساخر، تعد "عايشة وحدا بلاك" الأكثر شهرة وتأثيرًا. سُئل زياد الرحباني عن الحب الأول، وأجاب أنه مر وضاعت تفاصيله، ولم يبقَ منه سوى هذه الأغنية، التي كتبها لاحقًا ليسخر من فشله وتراجع أدائه بالعلاقات العاطفية: "من مرا لمرا/ عم نرجع لورا".
تعليقات زياد الرحباني على الأغنية كانت سلبية أحيانًا، فهي تذكره بخيبته، وصرح مرة أنه يتمنى لو تُمسح هذه الأغنية من أرشيفه، لكن لا يمكن الجزم إذا ما كان زياد يتكلم بجدية أو أنها إحدى تصريحاته الساخرة.
مربى الدلال
أغنية "مربى الدلال" هي مشهد من حياة زياد الرحباني، يرصد به لحظة موجعة ويغلفها بالسخرية. كُتب زياد بنبرة خفيفة الظل ليخفي وراءها خيبة ثقيلة. الأغنية تحكي، بطريقته الخاصة، عن تجربته مع زوجته السابقة دلال كرم، التي أحبها ثم انفصل عنها بعد زواج لم يستمر طويلًا.
العلاقة التي بدأت داخل كواليس المسرح انتهت على وقع خلافات كبيرة. في الأغنية يعود زياد إلى لحظة لقائه بوالد دلال، ليعكس بأغنيته أبعادًا اجتماعية تتعلق بالعادات والتقاليد المرتبطة بالزواج، وما يرتبط بها من صور نمطية ومتطلبات تثقل كاهل الشباب.
ع هدير البوسطة
في "ع هدير البوسطة"، كتب زياد الرحباني واحدة من أكثر أغانيه عفوية وحنانًا. خلف الأغنية قصة حب جمعت بينه وبين فتاة مصرية بحسب قوله، كان يزورها في متجر عائلتها. أحبها بصمت، ودوّن مشاعره على إيقاع البوسطة التي كانت تقلّه لرؤيتها. في الأغنية، تتسلّل تفاصيل الحياة اليومية: الازدحام وركاب البوسطة وضجة الطريق، لكنها لا تطغى على الشعور الأساسي: الوله. زياد يرى "عالية" وسط الضجيج، فتخفت الأصوات ويعلو النبض. الجدير بالذكر أن الفتاة التي أحبها زياد لم يكن اسمها عالية، بل ليلى، ولكن زياد غيّر الاسم حتى لا يفضح قصة الحب المكتومة؛ ليعكس ذلك جانبًا أكثر رومانسية في شخصيته.
تم تقديم الأغنية لأول مرة بصوت جوزيف صقر ضمن مسرحية "بالنسبة لبكرا شو"، وأحب والداه الأغنية، ليعرض منصور الرحباني على زياد أن يشتريها منه بـ 500 ليرة، لتغنيها فيروز لأول مرة في حفل باريس 1979.