جاء وديع من أسرة أرمينية في مدينة القامشلي شمال سوريا. تنوّعت بيئته الثقافية، وانعكس هذا التنوع على شخصيته الفنية منذ طفولته. بعد افتتانه بمجدي الحسيني، طلب من والده شراء أورج ليبدأ أولى خطواته في عالم الموسيقى.
ومن حفلات المدارس وأعياد الميلاد نمَّى موهبته، إلى أن التحق بالخدمة العسكرية مطلع التسعينيات، وهناك التقى مجموعة من العازفين فكوّن معهم تختًا شرقيًا. في تلك الفترة درس المقامات وأصول الغناء الطربي، قبل أن يبدأ مشواره الاحترافي عقب تخرجه بإحياء الأعراس والغناء في المطاعم، ليتلقى أول عقد فني له للغناء في مطعم بمنطقة مشتى الحلو.
الشهرة من بيروت
مع نهاية التسعينيات انتقل إلى بيروت، وبدأ العمل في المطاعم وأماكن السهر، وتعرّف عليه الجمهور باسمه الحقيقي جارو من خلال فقرته الثابتة في أحد مطاعم منطقة الكسليك. هذا الظهور قاده للتعرف على وديع أبو جودة، مدير إذاعة "صوت الغد"، الذي أصبح مدير أعماله. لكن المفاجأة كانت حين طلب أبو جودة منه تغيير اسمه! يروي وديع في لقاء مع تلفزيون "كوبيس" بالسويد أنه قبل يوم واحد من طرح أغنية "حلوة الدنيا"، عرض عليه أبو جودة عشرة أسماء، فاختار اسم وديع نسبة إليه.
هل هو جورج وسوف؟!
في أغنيته الأولى "لا تنحني"، قدّم وديع مراد خلطة جديدة في الأغنية اللبنانية. ففي وقت كان كبار النجوم يتنقلون بين اللهجتين المصرية واللبنانية، ويعتمدون على ملحنين من البلدين، اشترى هو لحنًا تركيًا شهيرًا لإبراهيم تاتليس، وكتب إلياس ناصر كلمات عربية جديدة. وخرجت النتيجة بأغنية خطفت آذان المستمعين.
لكن المفارقة أن إذاعة "صوت الغد" كانت تبث الأغنية دون ذكر اسم صاحبها، ما جعل الجمهور يظنها من الأغاني الجديدة لجورج وسوف، نظرًا للتشابه الكبير بين صوتيهما وأسلوب الأداء. وزادت الظنون مع استعداد وسوف لإطلاق ألبومه "دول مش حبايب"، حتى انهالت عليه اتصالات التهنئة! ما دفعه لمطالبة أبو جودة بذكر اسم صاحب الأغنية قبل بثها، وهو ما حدث وتسبب في انتشار اسم وديع مراد بشكل واسع.
ورغم الاستقبال الجيد لألبومه الأول "ساكت" (إنتاج ميوزك ماستر)، والذي ضم خمس أغنيات بينها "لا تنحني" و"احنا بخطر"، فإن الألبوم لم يحقق مبيعات كبيرة. وظهرت أقاويل بأن جورج وسوف حاربه خوفًا من ميلاد "نسخة جديدة" منه، لكنها بقيت مجرد روايات أثبت الزمن هشاشتها، خاصة مع انتشار أصوات أخرى مشابهة لوسوف مثل وائل جسار وجورج الراسي. بل إن وديع نفسه نفى تلك القصص لاحقًا وأهدى وسوف أغنية "حبيب الملايين" خلال فترة مرضه.
روتانا و الرحيل المفاجئ!
في عام 2003 وقع مع شركة روتانا عقدًا لخمس سنوات، بدأه بألبوم "عاشق مجنون" الذي أعاد فيه تجربة الأغاني التركية المعربة. ضم الألبوم ثماني أغنيات أبرزها "أخاف عليك"، "أمرك عجيب"، و"اللي رماني". لكن المفاجأة أنه فسخ عقده مع الشركة بعد صدور الألبوم رغم حماس روتانا لاستمرار التعاون.
بعدها غادر وديع في جولة طويلة إلى الولايات المتحدة انتهت بقرار الاستقرار في ولاية نيوجيرسي. هناك أسس مع صديق له شركة لإنتاج أعماله، وأصدر ألبوم "ودعني الحبيب" عام 2004.
وفي 2007 طرح ألبومه الرابع "الماضي انطوى"، وواصل فيه استلهام الألحان التركية كما فعل في بداياته، وبرزت منه أغنية "قمر الزمان".
https://youtu.be/BteJsV2bOxI?si=H6irKFwzSKrVaYRL
الخروج من المشهد
ظلّ حضور وديع قويًا في الحفلات بين بيروت ودبي وسوريا حتى عام 2011، حين أثّرت الأحداث السياسية على الحياة الفنية بالمجتمع السوري. تنقل بين دبي وكندا، وتلقى ضربة موجعة بوفاة شقيقه الأصغر الذي كان يدير أعماله.
بعد ذلك انتقل للسويد حيث تقيم عائلته، وركز على الغناء للجاليات العربية في أوروبا وأميركا الشمالية.
وفي 2020 تزوج وأنجب ولدًا وبنتًا، وقرر الاستقرار النهائي في السويد، وتقدم بطلب الجنسية لسهولة التنقل وإحياء الحفلات في أوروبا.
اليوم، يعيش وديع مراد بعيدًا عن صخب الساحة الفنية التي لمع فيها اسمه قبل عقدين. لم يعتزل رسميًا، ولم ينقطع عن الغناء تمامًا، لكنه اختار طريقًا أكثر هدوءًا، محصورًا في حفلات الجاليات العربية في أوروبا وأميركا الشمالية.
لم يخفت صوت وديع مراد لأن الطرب انتهى، بل لأن الضوء ابتعد عنه. ورغم ذلك، يبقى اسمه حاضرًا في ذاكرة من سمعوه لأول مرة وهم يظنون أنه جورج وسوف… قبل أن يكتشفوا أن هناك صوتًا آخر يستحق أن النجومية والشهرة اسمه وديع مراد.





