في حوار حصري مع بيلبورد عربية، كشف عمر خليل وهاشم الصيفي حفيدا موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب جانبًا مثيرًا من الجدل التاريخي الذي لاحقه لعقود وهو اتهامه بسرقة ألحان من الموسيقى الغربية وزملائه من الجيل ذاته.
ورغم أن الاتهامات لم تكن جديدة، إلا أن أكثرها تأثيرًا جاء من تقرير نسب إلى منظمة اليونسكو في عام 1979 حمل عنوانا صادمًا: "13 أغنية سرقها محمد عبد الوهاب من الموسيقى الغربية". التقرير الذي وزع حينها على عدد من الصحف والمجلات العربية شكل صدمة كبرى نظرًا لصدوره عن جهة عالمية يفترض بها الدفاع عن التراث لا النيل منه، ولأنه أول اتهام من جهة رسمية لا رأي صحفي.
الأحفاد يدافعون: ليست سرقة، بل اقتباس:
يرى عمر وهاشم أن عبد الوهاب كان يتعامل مع الاقتباس كمصدر إلهام لا انتهاك. وأشار عمر إلى مثال شهير أغنية "أحب عيشة الحرية" التي اقتبس فيها عبد الوهاب نغمة من السيمفونية الخامسة لبيتهوفن القدر قبل أن ينسج عليها لحناً جديداً يبتعد تمامًا عن الأصل الغربي "هو خد الجملة ولفها بطريقته طلع منها ودخل عالم تاني" كما وصفها حفيده.
وأضاف عمر في اللقاء: "في السبعينات حصله مشكلة اليونسكو اتهموه رسميًا بأنه سارق ألحان مختلفة من حتت كتيرة، وفي الآخر اكتشفوا إن هو لو هنتكلم على سرقة مع إنها عمرها ما كانت سرقة- أو اقتباس زي ما هاشم بيقول- في الآخر اكتشفوا إن هم 13 لحن بس اللي فيهم الاقتباس الواضح أوي ده زي 'أحب عيشة الحرية' وبرضه في الآخر مش سرقة ده اقتباس هي الكلمة الصح اللي تستعمل."
خلفية زمنية وأيديولوجيا فنية
تقرير اليونسكو لم يأت من فراغ، فقد سبقته أجواء فكرية سائدة في العالم العربي بعد ثورة يوليو 1952 ركزت على الأصالة ومحاربة التغريب خاصة في الموسيقى والسينما. في هذا المناخ شن الصحفي الكبير محمد التابعي، الذي كان مقربًا من عبد الوهاب، هجومًا عليه في سلسلة مقالات تحت عنوان فن الحرامية متهما إياه بالسطو على ألحان غربية.
وفي عام 1977 منحت اللجنة العليا للموسيقى في مصر الموسيقار رياض السنباطي ترشيحًا لجائزة اليونسكو لجائزة أفضل موسيقي في العالم، معللة ذلك بأنه الوحيد الذي لم يتأثر بالموسيقى الأجنبية. المفارقة أن عبد الوهاب الذي نال جائزة الدولة التقديرية في 1970 حصل بعدها بعام فقط على الأسطوانة البلاتينية من شركة إي إم آي البريطانية كأول فنان عربي.
مناورات سياسية أم سوء فهم؟
بعد صدور تقرير اليونسكو احتدم الجدل بين المايسترو سليم سحاب والسفير العراقي وعضو المنظمة الدائم لدى المنظمة حينها عزيز علي حيدر الذي اعتبر الشخصية المحورية وراء تسريب التقرير. ورغم دفاع سحاب عن عبد الوهاب وشرعية الاقتباس في تاريخ الموسيقى العالمية ظل التقرير نقطة جدل في سيرة الموسيقار الكبير.
التاريخ ينتصر لمحمد عبد الوهاب
لكن في مفارقة لافتة، عادت اليونسكو نفسها بعد أكثر من عقدين لتدرج عبد الوهاب ضمن الشخصيات التي تحتفي بها في ذكرى ميلاده المئوية عام 2000 وفي عام 2012 خرج السفير عزيز علي حيدر في مقال إلكتروني ليبرئ نفسه تمامًا من مسؤولية التقرير، نافيًا علمه به، ومؤكدًا إعجابه بموسيقى عبد الوهاب رغم الخلاف السياسي والفكري بينهما، وقال ساخرًا: "كأنني أنا اليونسكو وأنا المراقب لما تنشره".
رغم كل ما قيل، خرج عبد الوهاب منتصرا من معركة الاتهامات. لم تُلغ ألحانه من الإذاعة ولم تتراجع شعبيته بل استمرت في النمو. وبين تهم السرقة وتكريم المؤسسات تظل الحقيقة الأوضح أن موسيقار الأجيال كان ببساطة سابقًا لعصره وصاحب لمسة لا تقلّد.